وما بين( لو ) و( إن ) فرق في المعنى، لا بد من مراعاته، والوقوف عليه، ويتلخص في أن الأصل في( لو ) أنها أداة تمن، ثم نقلت إلى الشرط؛ وذلك من باب تعدد المعنى الوظيفي للمبنى الواحد٠٠ ومن خواصها فرض ما ليس بواقع واقعًا٠ ولهذا تستعمل فيما لا يتوقع حدوثه، وفيما يمتنع حدوثه، أو فيما هو محال، أو من قبيل المحال٠ أما( إن ) فهي في الأصل موضوعة للشرط، ومن خواصها أن الفعل معها ممكن الوقوع، وغير ممكن٠ ومن هنا لا يجوز القول بأن معنى﴿ ولو افتدى به ﴾: ( وإن افتدى به )، كما ذهب إلى ذلك الجمهور؛ لأنه يقوم على حجة واهية، وهي زعمهم أن الفعل بعد( لو ) لا يجوز أن يكون ما ضي اللفظ، مستقبل المعنى- كما في هذه الآية- خلافًا لـ( إن ) الشرطية٠ وقد ذكرنا في مقال سابق؛ وهو( سر دخول اللام على لو الشرطية ) أن الشرط نوعان: وعديٌّ، وخبري٠ وبيَّنا أن الشرط الوعدي ِّ لا يكون زمنه إلا مستقبلاً، خلافًا للخبري٠ وذلك بغض النظر عن نوع الأداة الشرطية صيغة الفعل بعدها٠ والشرط في الآية السابقة، ونحوها- كما هو واضح- شرط وعديٌّ، لا خبريٌّ٠٠ فتأمل ذلك في القرآن الكريم، تجده على ما ذكرنا، إن شاء الله٠ ثم تأمل بعد ذلك قول الشيخ السهيليِّ في هذه الواو الداخلة على( إن ) الشرطية، وقارن بين التركيبين، ثم لاحظ الفرق بينهما٠ قال- رحمه الله- في حديث ( من قال لا إله إلا الله، دخل الجنة، وإن زنى، وإن سرق ):" ولو لم بكن في الكلام الواو، لكان الزنى شرطًا في دخول الجنة٠ ولكن الواو حصَّنت المعنى"٠
اللهم حصِّن قلوبنا من النفاق، ونفوسنا من الرياء، وعقولنا من سوء الفهم، وزدنا علمًا ودراية بكتابك الذي أنزلته على عبدك محمد صلى الله عليه وسلم، ولم تجعل له عوجُا٠ والحمد لله الوهاب المنان بفضله وإحسانه٠
ــــــــــــــــــــــــــ
(١)- ينظر في هذه المسألة كتاب( الجملة الشرطية ) لمؤلفه أبي أوس إبراهيم الشمسان٠
محمد إسماعيل عتوك
==============
شبهة حول الإعجاز البياني في القران
نص الشبهة: " هو الذي خلقكم مِن نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها، فلما تَغَشَّاها حَملَتْ حَملا خفيفاً فمرّت به، فلما أَثْقَلتْ دعوا الله ربهما: لئِن آتيتنا صالحاً لنكوننّ من الشاكرين. فلما آتاهما صالحاً، جعلا له شركاء فيما آتاهما، فتعالى الله عما يُشْرِكون ([الأعراف]آيتا ١٨٩، ١٩٠)..
والتوراة تعلِّمنا أن آدم عرف حواء امرأته فحبلت وولدت قايين، ثم عادت فولدت أخاه هابيل، وبعد ذلك عرف آدم امرأته أيضاً فولدت ابناً ودعت اسمه شيثاً. وتأمَّل كيف تعبِّر التوراة بكلمة عرف عن معنى الجماع، وهي ألطف وأرقّ من عبارة القرآن. وانظر إلى عبارة التوراة تجدها لم تنسب إلى آدم وحواء الإشراك بالله. والمسلمون يعتقدون بنبوَّة آدم. فكيف يكون نبياً ومشركاً؟...
امرأة فوطيفار ويوسف: ولقد هَمَّت به وهَمَّ بها[١]، لولا أن رأى برهان ربه. كذلك لنصرفَ عنه السُّوءَ والفحشاء. إنه من عبادنا المخْلَصين (آية ٢٤)...
والكتاب المقدس يشهد أن يوسف منزّهٌ عن قوله هَمَّت به وهَمَّ بها. فورد في تكوين ٣/ ٩ أنه لما طلبت امرأة فوطيفار من يوسف أن يضطجع معها،[٢] قال: إن سيدي سلّم كل شيء ليدي في هذا البيت، ولم يُمسك عني شيئاً غيرك، لأنك امرأته، فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله ؟ وكانت تكلمه من يوم إلى آخر فلم يلتفت إليها".
الجواب: سبحان الله، إن هذه الكلمة (تغشاها) تحمل كل معاني الستر والأدب. فـ " الغشاء غطاء الشيء الذي يستره من فوقه، والغاشية الظلة تظله من سحابة أو غيرها، " وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى " [الليل: ١] أي يحجب الأشياء ويسترها بظلامه. وتغشاها أتاها كغشيها ـ ويزيد ما يعطيه صيغة التفعُّل من جهد ـ وهو كناية نزيهة عن أداء وظيفة الزوجية، تشير إلى أن مقتضى الفطرة وأدب الشريعة فيها الستر ".[٣]
إن هذا اللفظ كناية[٤] تدل على الجماع، والقرآن كنّى بما يُستحيى منه في جميع آياته الكريمة ـ وليس في هذا الموضع فقط ـ وهذا أسلوب واضح لمن ينظر بعين الفحص الموضوعي إلى القرآن الكريم في جميع مواضعه التي تحدث فيها عن الجماع، والدخول إلى الخلاء..
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ " الدخول، والتغشي، والإفضاء، والمباشرة، والرفث، واللمس: هذا الجماع. غير أن الله حيي كريم، يكني بما شاء عما شاء ".[٥]
إن القرآن الكريم يكني في كل آياته عند الإشارة إلى ما يُستحيى منه، في بيئة لم يكن ذلك عيباً فيها.
بل هذَّب ألفاظ العرب، فاستبدل ما يُستحيى من ذكره، بلفظ لا يُستحيى منه، تعليماً لهم الأدب والرقي في الخطاب ـ كلفظ الغائط[٦] ـ للتعبير عما يُستحيى من ذكره علناً أمام الملأ.
فأصل الغائط: الوادي أو المكان المنخفض من الأرض، ومنه سميت غوطة دمشق. ثم صار كناية عن عملية إخراج الفضلات من قبل الإنسان، لأن الناس كانوا يقولون: سأذهب إلى الغائط لأقضي حاجتي. ولكن في عصرنا هذا لما شاع استخدام هذا اللفظ فأصبح دلالة على الفعل، صار أكثر الناس يستحيون من ذكره.[٧]