وقال - تعالى - عن المنافقين: ((أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين)) [البقرة: ١٦].
وقال - تعالى -: ((والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس)) [التكوير: ١٧ - ١٨].
وقال - تعالى -: ((والليل إذا يسر)) [الفجر: ٤] وقال - تعالى -: ((يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا)) [الأعراف: ٥٤].
وقال - تعالى -: ((وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون)) [النحل: ٦٨].
وقال - تعالى -: ((والنجم والشجر يسجدان)) [الرحمن: ٦].
وقال - تعالى -: ((واشتعل الرأس شيبا)) [مريم: ٤].
وقال - تعالى -: ((ولما سكت عن موسى الغضب)) [الأعراف: ١٥٤].
وغير ذلك من الآيات التي تذكر كل شيء في هذا الكون فتجعله نابضاً بالحياة يسبح بحمد خالقه، ويجري لأجل محدد قدّره الله - سبحانه وتعالى -:
فالله - سبحانه وتعالى - يريد ويحب ويرضى ويغضب. كل هذا من الأوصاف اللائقة به، وليست إرادته ومحبته ورضاه وغضبه كإرادة المخلوق ومحبته وغضبه ورضاه. وتفصيل هذا الموضوع في كتب العقائد.
ولكن إن سأل سائل، أو توهم متوهم فهم الحياة والصور التي تبعثها كلمات القرآن فيما تذكره واستبعد وقوعها بحجة التنزيه وعدم التشبيه، فإنما يقال له: - تعالى - الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)) [الشورى: ١١]، وإنما إذا كان للإنسان إرادة فكذلك للجدار الجامد إرادة تليق به وتناسبه يعلمها الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
وكذلك في كل ما ذكرناه من الآيات.
فالشمس تجري، وليس جريانها كجريان الفرس أو جري الإنسان والنجوم والكواكب تسبَحُ في فلكها، وليست سباحتها كسباحة إنسان في بركة من الماء.
والضلالة تباع وتشترى كما يباع المتاع، وليس شرطاً أن يكون البيع كالبيع نقداً بنقد أو عيناً بعين.
ألست تسمع قول النبي :«كلكم يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها».
والغضب يثور ويسكت، والإنسان يثور ويسكت وليس السكوت كالسكوت.
والمؤمن يسجد لله ويركع، والنجم والشجر يسجدان وليس السجود كالسجود على الأعضاء المذكورة في الحديث.
والإنسان يقبل ويدبر يذهب ويجيء ويتنفس وكذلك الحيوانات، والليل والنهار والصباح لهما مثل هذه الأحوال، ولكن ليس الإقبال والإدبار والذهاب والمجيء، والتنفس كتنفس الإنسان أو الحيوان.
والحطب إذا أوقدتها بالنار اشتعلت، وكذلك شعر الرأس إذا وقع فيه الشيب يشتعل وليس الاشتعال كالاشتعال بل كل بما يليق به.
والنملة تقول والإنسان يقول والجلود تقول، ولكل طريقته التي يقول بها.
قال - تعالى - عن الكفار الذين تشهد عليهم جلودهم ((وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون)) [فصلت: ٢١].
وقال - تعالى -: ((وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)) [الإسراء: ٤٤].
وقال - تعالى -: ((ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون)) [النور: ٤١].
أرأيت أن النملة تقول والطير والمخلوقات جميعها تسبح بحمد ربها، والصبح يتنفس، والغضب يسكت، والجدار يريد، والشمس تجري، والكواكب تسبح في هذا الكون، والضلالة والهداية تباع وتشترى؟!!
إذا كان هذا حالها كما وصفها خالقها أصدق القائلين وأحكم الحاكمين الذي له الخلق والأمر، فما لنا وللتأويل والقول بالمجاز، إن الكلام الحكيم الذي وصف بالإعجاز يتنافى مع المجاز.
وقد صنف في هذا الموضوع رسالة مستقلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي أسماها "منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز". واعلم - علمني الله وإياك - بأنه قد سبقه أقوام من العلماء في منع جواز المجاز في القرآن، منهم ابن خويز منداد من المالكية، وابن القاص من الشافعية والظاهرية، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن قيم الجوزية في كتابه القيم "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة" حيث ردّ المجاز من خمسين وجهاً.
وإن القول بالمجاز علم دخيل على دراسة القرآن نشأ مع نشأة علم الكلام، وإنما الهدف منه حسبما يذهب القائلون به لتأويل صفات الله - عز وجل -، فخذ حذرك وتدبر أمرك.
http://www. alsunnah. org المصدر:
===============
الإعجاز البياني واللغوي في القرآن
قضية الإعجاز البياني بدأت تفرض وجودها على العرب من أول المبعث، فمنذ أن تلا المصطفى - عليه الصلاة والسلام - في قومه ما تلقى من كلمات ربه، أدركت قريش ما لهذا البيان القرآني من إعجاز لا يملك أي عربي يجد حسَّ لغته وذوقها الأصيل، سليقة وطبعاً، إلا أن يسلم بأنه ليس من قول البشر.
من هنا كان حرص طواغيت الوثنية من قريش، على أن يحولوا بين العرب وبين سماع هذا القرآن. فكان إذا أهل الموسم وآن وفود العرب للحج، ترصدوا لها عند مداخل مكة، وأخذوا بسبل الناس لا يمر بهم أحد حذروه من الإصغاء إلى ما جاء به محمد بن عبد الله - ﷺ - من كلام قالوا إنه السحر يفرق بين المرء وأبيه وأخيه، وبين المرء وزوجه وولده وعشيرته.


الصفحة التالية
Icon