وعندما جاء الشاعر العربي لبيد من الغد، شاهد ورقة بجانب شعره فقرأها فإذا هي بآيات من كتاب الله، فتلفت حوله، وتعجب عقله، والله ما هذا بقول بشر.. وقال:
"أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله"
وأقسم أن لا يقول الشعر بعد ذلك أبدا.. حتى جاء في أحد الأيام عمر بن الخطاب أثناء خلافته وقال للبيد: "أنشدني بشيء من الشعر"، فقرأ من سورة البقرة وآل عمران، ثم قال: "والله ما كنت لأقول الشعر وقد حفظت سورة البقرة وآل عمران.. "
وقصة مسيلمة الكذاب، ذلك المرتد عن الإسلام الذي حاول مجارات القرآن.. حيث يقول في كتابه الباطل..
"والليل الأضخم، والذئب الأدلم، والجذع الأزلم، ما انتهكت أسيد من محرم"
"والليل الدامس، والذئب الهامس، ما قطعت أسيد من رطب ولا يابس"
"والفيل، وما أدراك ما الفيل، له جسم كبير، وذيل وبيل، وخرطوم طويل"
"والشاة وألوانها، وأعجبها السود وألبانها، والشاة السوداء، واللبن الأبيض، إنه لعجب محض، وقد حرم المذق، فما لكم لا تجتمعون؟ "
"يا ضفدع يا بنت الضفدعين، نقي لا تنقين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين؟، لا الشارب تمنعين ولا الماء تكدرين.. لنا نصف الأرض ولقريش نصفها، ولكن قريشا قوما يعتدون"
"والمبديات زرعا، فالحاصدات حصدا، فالذاريات قمحا، فالطاحنات طحنا، فالخابزات خبزا، والثاردات ثردا، واللاقمات لقما، إهالة وسمنا، لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ضيفكم فامنعوه، والمعتر فآووه، والباغي فناوءوه"
مهزلة.. كلام بشر أجوف.. ولا يعتقد أحد أن الذين اتبعوه قد آمنوا بما يقول وصدقوه.. وإنما كان ذلك حمية، حيث سأل أحدهم مسيلمة: "ماذا ترى؟ " - أي عند زول الوحي عليه كما يزعم، فقال: "أرى رجس"، قال: "أفي نور أم في ظلمة؟ "، قال: "بل في ظلمة"، فقال الرجل: "والله إنه لشيطان.. ولكن؛ كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر.. "
المصدر:
إعجاز النظم في القرآن الكريم تأليف الأستاذ محمود شيخون.
دراسات حول الإعجاز البياني في القرآن الدكتور المحمدي عبد العزيز الحناوي
إعجاز القرآن البياني الدكتور عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ
من روائع القرآن الكريم للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي
إعجاز القرآن مصطفى صادق الرافعي.
----------------------
[١] [إعجاز القرآن للرافعي: ص ٢٧٥].
[٢] [عن من كتاب روائع القرآن: للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي].
[٣] [إعجاز القرآن ص٢٧٤ وكتاب تاريخ الأدب العربي للرافعي ٢٤١]
[٤] [كتاب إعجاز القرآن للرافعي].
[٥] [دلائل الإعجاز للجرجاني ص٧٩ ـ٨٠].
[٦] [التصوير الفني في القرآن سيد قطب].
===============
الإعجاز البياني واللغوي في القرآن الكريم
أ. د. عمر يوسف حمزة*
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين الذي أنزل الله - تعالى -القرآن على قلبه بلسان عربي مبين، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدِّين.
وبعد، فإنَّ قضية الإعجاز القرآني قد استحوذت ـ منذ وقت مبكر ـ على قدر كبير من اهتمام العلماء وعنايتهم، وكانت هي الدافع القوي وراء ما بذلوه من جهود مباركة، يرمون من ورائها إلى تحقيق هدف ديني أصيل، جدير بأنْ يبذل في سبيله كل جهد، وتستنفد كل طاقة.
ذلك أنَّ التسليم بأنَّ القرآن الكريم معجز للبشر، يؤدي بدوره إلى التسليم بأنه من عند الله - تعالى -، وهذا بدوره يؤدي إلى التسليم بأنَّ كل ما تضمنه حق خالص، لا سبيل للباطل إليه، وأنه الصراط المستقيم، وحبل الله المتين، وأنَّ العصمة والنجاة في الاحتماء بحصنه.
لقد بعث الله - تعالى -رسوله محمداً - ﷺ - بالرسالة الخاتمة، فكان - ﷺ - خاتم الأنبياء والمرسلين، ورسالته خاتمة الرسالات جميعاً، فأنزل الله - تعالى -عليه القرآن بلسان عربي مبين في أُمَّة أُمية لها باعها الطويل والقِدْح المُعلَّى في البيان والفصاحة وروعة الأسلوب، حتى كانت لهم الأسواق والمنابر والمواسم يعرضون فيها أنفس البضائع، وأدق وأجود وأبرع صناعتهم البيانية، إنها بضاعة الكلام من الشعر والنثر والخطابة، وكان النقد والمساجلة والمناظرة، حتى يختاروا من هذه الصناعة البيانية أروعها وأحسنها في جو من التنافس الشديد، ليتفاخروا بما قدموه، ولتتناقله العرب بعد ذلك تذوقاً للُّغة التي تهذبت كلماتها وأساليبها واختيرت ألفاظها أحسن اختيار.
فنزل القرآن على النبي محمد - ﷺ -، وهو معجزته الكبرى، ودليله على النبوة وأنه لا ينطق عن الهوى إنْ هو إلاَّ وحي يوحى، وقد وقف أئمة اللُّغة من العرب عاجزين أمام القرآن أنْ يحاكوه أو يماثلوه في أزهى العصور للأُمَّة العربية بياناً وفصاحة وبلاغة. فكان التحدي بألفاظ القرآن وكلماته في فصاحته وبلاغته وبيان أسلوبه، لذا قبل الدخول في لب موضوعنا وهو: "الإعجاز البياني واللُّغوي في القرآن الكريم"، يحسن بنا أنْ نشير إلى الموضوعات التي سوف نتناولها بالدراسة من خلال البحث إنْ شاء الله - تعالى -، وهي على الترتيب التالي:
[١] معجزات الأنبياء.
[٢] تعريف المعجزة، الإعجاز.