المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد :
فقد عرف أعداء الإسلام أن مصدر عزة هذا الدين وأهله، وسر تجدده في نفوس المسلمين هو هذا القرآن العظيم، الذي لا يخلق من كثرة الترداد، ولا تنقضي عجائبه، ولا يمله القارئ والسامع ولا يزداد به المؤمن إلا يقينا بدينه وتعلقا به، هذه المعجزة الخالدة، والآية الباقية ما بقي الليل والنهار، هذا الكتاب الذي وعد الله تعالى بحفظه بقوله :(إنا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( [الحجر : ٩].
ولما كانت هذه منزلة القرآن، اجتهد أعداء الدين بالطعن في هذا القرآن ؛ حتى يسلخوا المسلمين من التعلق به، فيصبحوا صيدا سهلا وغنيمة باردة. وحرب أعداء الدين هذه ليست فقط على القرآن، بل على كل أساساته وقواعده ؛ فهناك الحرب على الرسول ( ﷺ ) وسنته(١)، والطعن في عدالة الصحابة، والحرب على المرأة المسلمة(٢)وحجابها وعفافها، والحرب على بعض الشعائر كالجهاد(٣)، وغيرها من الجبهات، ولكن الحرب على القرآن هي أخطرها وأشدها وأشرسها ؛ لأن القرآن هو الذي يدل على الأصول السابقة ويحث عليها، فهو أصلها وهي فروعه، وبذهاب الأصل تذهب الفروع ؛ ومن هنا عزمت في هذه الرسالة على جمع هذه المطاعن والإشكالات التي تثار الآن، والتي هي عبارة - في غالبها - عن ترديد لما سبق، فلو عرفها الناس وتحصنوا منها لما حصل هذا الاضطراب من هذه الشبه.
ومن أهداف الرسالة أيضا الرد على المستشرقين الذين يطعنون في هذا الدين، ويشككون في قدسية وعصمة كتابه. وكذلك الرد على المعاصرين الذين تأثروا بهذه الشبه وبدأوا يرددونها.
فاخترت أن تكون أطروحتي لنيل درجة الدكتوراة بعنوان :
الطعن في القرآن الكريم
والرد على الطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري.
ومن الأسباب التي لأجلها اخترت هذا الموضوع :
١- كثرة المطاعن في هذا الزمن خاصة على القرآن، واتهامه بالتناقض، سواء من المستشرقين، أو من أعداء الدين، أو ممن ينتسبون للإسلام.
٢- تأثر بعض المسلمين بهذه الشبه التي تثار، فكان لزاما على طلبة العلم وأهله كشف هذه الشبه، وبيان فسادها للناس أجمعين.
٣- إثبات إعجاز القرآن، وأنه من عند الله، وأن الله تكفل بحفظه حقا.
٤- كشف شبه الطاعنين وأكاذيبهم، وبيان أنها ترديد لما أورده الطاعنون السابقون.
٥- كشف المنافقين المندسين بين المسلمين للطعن في هذا الدين.
٦- امتثالا لأمر النبي ( ﷺ ) كما في حديث أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ( قَالَ :« جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ وأَلْسِنَتِكُمْ »(٤).
٧- الدخول في حزب جند الله المدافعين عن كتابه ؛ لعله يكون لنا شافعا يوم القيامة.
وأما أهمية الموضوع فتتضح من أمور كثيرة منها :
١- عموم نفعه للمسلمين.
٢- أن الموضوع يعالج مشكلة معاصرة ومستمرة.
٣- أن هذا الباب لم يُخدم بما يستحقه.
٤- خطورة الطعن في القرآن ؛ حيث إنه من نواقض العهد مع أهل الذمة، بل من نواقض الإسلام.
وقد حَذَّر النبىُّ ( من خطورة فتح هذا الباب، حين وجد نفرًا من أصحابه يخوضون فيه ببابه، وذلك فيما ورد من حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ نَفَرًا كَانُوا جُلُوسًا بِبَابِ النَّبِيِّ ( فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ كَذَا وَكَذَا -وفي رواية أنهم تكلموا في القَدَر- فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ( ﷺ ) فَخَرَجَ كَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ، فَقَالَ :« بِهَذَا أُمِرْتُمْ - أَوْ بِهَذَا بُعِثْتُمْ - أَنْ تَضْرِبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، إِنَّمَا ضَلَّتِ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ فِي مِثْلِ هَذَا، إِنَّكُمْ لَسْتُمْ مِمَّا هَاهُنَا فِي شَيْءٍ، انْظُرُوا الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ، فَاعْمَلُوا بِهِ، وَالَّذِي نُهِيتُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا »(٥).
٥- مما يكسب هذه الرسالة أهمية أني لخصت فيها كتبا كثيرة، سواء من كتب الطاعنين أو الرادين عليهم، فهي خلاصة جهود علماء كبار، وعصارة كتب متفرقة.
وبعد القراءة التحضيرية، واستشارة الأساتذة، والمشايخ، والاستنارة بعلمهم، جاءت خطة البحث على النحو التالي :
المقدمة :
التمهيد : وفيه المباحث التالية :
المبحث الأول : تعريف الطعن في القرآن.
المبحث الثاني : مصطلحات ترادف الطعن.
المبحث الثالث : التعريف بالطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري.
الباب الأول (النظري) :
الطعن في القرآن : نشأته، أسبابه، مواجهته
- الفصل الأول : تاريخ الطعن في القرآن والكتب المؤلفة فيه.
المبحث الأول : أول من تكلم فيه.
المبحث الثاني : أول من ألف فيه.
المبحث الثالث : اتجاهات العلماء في التأليف في هذا المجال.
المبحث الرابع : الكتب المؤلفة فيه.
- الفصل الثاني : أسباب الطعن في القرآن.
المبحث الأول : لماذا هذه الحرب على القرآن؟.
المبحث الثاني : ما الحكمة من وجود المتشابه في القرآن؟.
المبحث الثالث : أنواع المطاعن.
- الفصل الثالث : مواجهة دعاوى الطعن في القرآن.
المبحث الأول : تنزيه كلام الله عن المطاعن.
المبحث الثاني : موقف سلف الأمة ممن يثيرون الشبه والمطاعن حول القرآن.
المبحث الثالث : قواعد التعامل مع المطاعن.
الباب الثاني (تطبيقي) :
موقف الطاعنين من آيات القرآن والرد عليهم :
- الفصل الأول : الردود الإجمالية على من طعن في القرآن :
المبحث الأول : الأدلة على صدق الرسول ( ﷺ ) :
المطلب الأول : بشارة الكتب السابقة به.
المطلب الثاني : شهادة المنصفين من المخالفين على صدقه.
المطلب الثالث : الآيات التي يجريها الله تعالى على يديه.
المطلب الرابع : إقرار الله تعالى له و لدعوته واستجابته لدعائه.
المطلب الخامس : من أدلة صدقه كمال أخلاقه.
المطلب السادس : استعداده الدائم لأي اختبار يطرح عليه.
المطلب السابع : عدم استغلال فرص التعالي.
المطلب الثامن : المباهلة على ما عنده.
المطلب التاسع : حمايته من كل ما يكاد له.
المطلب العاشر : انتفاء الغرض الشخصي.
المطلب الحادي عشر : إخباره بالنهايات في البدايات.
المطلب الثاني عشر : إخباره بالغيب.
المطلب الثالث عشر : إحكام التشريع.
المطلب الرابع عشر : الإعجاز العلمي.
المطلب الخامس عشر : الوصف الدقيق للغيب.
المطلب السادس عشر : تأليف قلوب العرب.
المطلب السابع عشر : الإلزام.
المبحث الثاني : الأدلة على صدق القرآن وما فيه :
المطلب الأول : إعجاز القرآن.
المطلب الثاني : التحدي أن يُؤتى بمثله.
المطلب الثالث : شهادة الكفار وأهل الكتاب وأعدائه بصدقه.
المطلب الرابع : الوحدة الموضوعية لكل سورة.
المطلب الخامس : عدم التناقض.
المبحث الثالث : ردود القرآن على الطاعنين.
المبحث الرابع : ردود إجمالية أخرى :
المطلب الأول : عدم معارضة كفار مكة.
المطلب الثاني : قل هاتوا برهانكم.
المطلب الثالث : مخالفة الواقع.
المطلب الرابع : إجماع الأمة.
-.
المبحث الأول : التشكيك في نسبة القرآن إلى الله تعالى :
المطلب الأول : دعوى أن القرآن من عند نبينا محمد ( ﷺ ).
المطلب الثاني : دعوى أن القرآن نقل من غيره.
المطلب الثالث : جواز نقده ومخالفته.
المبحث الثاني : زعم عدم حفظه :
المطلب الأول : شبهة أنه ليس هو القرآن الذي أنزل.
المطلب الثاني : شبهة أنه زيد فيه ونقص.
المطلب الثالث: النسخ فى القرآن والطعن فيه من هذا الباب.
المبحث الثالث : اتهام القرآن بالتناقض :
المطلب الأول : هل في القرآن تناقض حقيقي؟.
المطلب الثاني : زعم تناقض بعض الآيات مع بعض.
المبحث الرابع : اتهام القرآن بمعارضة الحقائق :
المطلب الأول : دعوى تعارض القرآن مع الحقائق الشرعية.
المطلب الثاني : دعوى تعارض القرآن مع الوقائع التاريخية.
المطلب الثالث : دعوى تعارض القرآن مع الحقائق الكونية.
ثم الخاتمة، وذيلت الرسالة بعدة فهارس لكمال الاستفادة من البحث.
وكان المنهج المتبع في هذه الرسالة كالتالي :
١- لقد اجتهدت اجتهادا كبيرا في محاولة حصر الطعون ؛ حيث جمعت ما أمكنني من كتب تطعن في القرآن أو ترد على الطاعنين، وحرصت على أن أحضر معظم معارض الكتاب التي تقام ؛ لعلي أجد شيئا ليس عندي، وذهبت إلى الكثير من الجامعات للبحث عن رسائل مقاربة لما كتبته، وبحثت في الإنترنت، ودخلت الكثير من المواقع المتخصصة في الطعن في الإسلام، مثل بعض غرف النصارى في البالتوك وغيرها، وسألت الكثير من المتخصصين في هذا الباب والمهتمين، فاتضح لي أن حصر الطاعنين من الصعوبة بمكان ؛ فبعضهم مشاهير، وبعضهم مغمور نكرة لا يعرف، فتسميته والرد عليه تشهير له، وبعضهم بل أكثرهم مردّد لما قيل سابقا من الطعون، فاتجهت لحصر الطعون لا الطاعنين - مع عدم إغفال ذكرهم إن وجدوا لاسيما المشاهير منهم - لأن الطعون واحدة في الغالب، وأما الطاعنون فهم كالببغاوات يرددون ما سمعوا، وهذا أيضا منهج نبوي فقد كان النبي ( ﷺ ) يرد على الخطأ لا على المخطئ، بقوله :« ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا »(٦).
٢- ليس من منهجي أن أجمع كل ما أثير، بل أجمع ما كان فيه شبهة وقد يقع فيه اللبس عند بعض الناس، وأما بعض الطعون التي يوردها الطاعنون بسبب جهلهم باللغة، أو سوء فهمهم، أو تحريف المعنى، أو الكذب، أو الدعوى المجردة عن الدليل، أو نسبب الحقد الدفين، فهذا يكفي ذكره في إبطاله، ويكفيك من شر سماعه، مثل إنكارهم بلاغة القرآن وهم أبعد الناس عن تذوق بلاغة القرآن، أو تفسير بعضهم قوله تعالى :(وترى الملائكة حافين من حول العرش( [الزمر : ٧٥]؛ فقد قال بعض المستشرقين في تفسير معنى (حافين( : أي بدون أحذية(٧). ( وفسر بعض المستشرقين قوله تعالى :(وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه( ]الإسراء : ١٣ ] بقوله : يأتي الكافر وفي رقبته حمامة. ومنهم عَلََََّامة تصدى لوضع المعجمات الكبرى(٨)، فكتب في مادة (أخذ) أنها تأتي بمعنى نام لقوله تعالى :(لا تأخذه سنة ولا نوم((٩) [ البقرة : ٢٥٥] ). ومثل ادعاء بعضهم أنه وجد مخطوطة بخط النبي ( ﷺ )، وبالتالي يثبت أنه لم يكن أميا(١٠)، وقول بعضهم : إن معنى قوله تعالى :(الذين يتبعون النبي الأمي الذي يجدونه..( [الأعراف : ١٥٧] أن أمي بمعنى وثني(١١). وادعاء بعضهم أن الوحي عبارة عن صرع كان يصيب النبي ( ﷺ )١٢)(. أو النزول إلى الدرك الأسفل من الدناءة بإطلاق لفظ (الخراء) على القرآن، كما في كتاب حيدر حيدر(١٣)(وليمة لأعشاب البحر)(١٤)، وغير ذلك من السفاهات.
٣- الطعون على القرآن تنقسم قسمين، طعون حول القرآن، وطعون في القرآن ؛ الطعون حول القرآن من مثل الطعن في جمع القرآن، وتواتر القرآن، تقسيم القرآن إلى مكي ومدني، نزول القرآن على سبعة أحرف، معنى المتشابه في القرآن، النسخ في القرآن، ترجمة القرآن، إعجاز القرآن، قراءات القرآن... إلخ تلك الشبه التي تحوم حول القرآن ولا تطعن في آياته طعنا مباشرا، وهذا البحث كفانا فيه عدد من العلماء الأفاضل والباحثين الأجلاء، ومن أفضل هذه الكتب التي اطلعت عليها، كتاب "شبهات حول القرآن وتفنيدها" للدكتور غازي عناية(١٥)، وب


الصفحة التالية
Icon