(٨) سورة الأنفال
عرفت بهذا الاسم من عهد أصحاب رسول الله - ﷺ - : روى الواحدي في "أسباب النزول" عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم بدر قتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاصي فأخذت سيفه فأتيت به النبي - ﷺ - فقال: "اذهب القيض" بفتحتين الموضع الذي تجمع فيه الغنائم" فرجعت في ما لا يعلمه إلا الله قتل أخي وأخذ سلبي فما جاوزت قريبا حتى نزلت سورة الأنفال.
وأخرج البخاري، عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس سورة الأنفال قال نزلت في بدر" فباسم الأنفال عرفت بين المسلمين وبه كتبت تسميتها في المصحف حين كتبت أسماء السور في زمن الحجاج، ولم يثبت في تسميتها حديث، وتسميتها سورة الأنفال من أنها افتتحت بآية فيها اسم الأنفال، ومن أجل أنها ذكر فيها حكم الأنفال كما سيأتي.
وتسمى أيضا سورة بدر ففي "الإتقان" أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: "سورة الأنفال" قال "تلك سورة بدر".
وقد اتفق رجال الأثر كلهم على أنها نزلت في غزوة بدر: قال ابن إسحاق أنزلت في أمر بدر سورة الأنفال بأسرها، وكانت غزوة بدر في رمضان من العام الثاني للهجرة بعد عام ونصف من يوم الهجرة، وذلك بعد تحويل القبلة بشهرين، وكان ابتداء نزولها قبل الانصراف من بدر فإن الآية الأولى منها نزلت والمسلمون في بدر قبل قسمة مغانمها، كما دل عليه حديث سعد بن أبي وقاص والظاهر أنها استمر نزولها إلى ما بعد الانصراف من بدر.
وفي كلام أهل أسباب النزول ما يقتضي أن آية ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً﴾ إلى ﴿مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: ٦٦] نزلت بعد نزول السورة بمدة طويلة، كما روي عن ابن عباس، وسيأتي تحقيقه هنالك.
وقال جماعة من المفسرين إن آيات ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ﴾ - إلى - ﴿لا يَفْقَهُونَ﴾ [الأنفال: ٦٤، ٦٥] نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل ابتداء القتال، فتكون تلك الآية نزلت قبل نزول أول السورة.
نزلت هذه السورة بعد سورة البقرة، ثم قيل هي الثانية نزولا بالمدينة، وقيل نزلت البقرة ثم آل عمران ثم الأنفال، والأصح أنها ثانية السور بالمدينة نزولا بعد سورة البقرة.
وقد بينت في المقدمات أن نزول سورة بعد أخرى لا يفهم منه أن التالية تنزل بعد انقضاء نزول التي قبلها، بل قد يبتدأ نزول سورة قبل انتهاء السورة التي ابتدئ نزولها قبل، ولعل سورة الأنفال قد انتهت قبل انتهاء نزول سورة البقرة، لأن الأحكام التي تضمنتها سورة الأنفال من جنس واحد وهي أحكام