(١٧) سورة الإسراء
سميت في كثير من المصاحف سورة الإسراء. وصرح الآلوسي بأنها سميت بذلك، إذ قد ذكر في أولها الإسراء بالنبي - ﷺ - واختصت بذكره.
وتسمى في عهد الصحابة سورة بني إسرائيل. ففي جامع الترمذي في أبواب الدعاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي - ﷺ - لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل".
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود أنه قال في بني إسرائيل والكهف ومريم:"إنهن من العتاق الأول وهن من تلادي". وبذلك ترجم لها البخاري في كتاب التفسير، والترمذي في أبواب التفسير. ووجه ذلك أنها ذكر فيها من أحوال بني إسرائيل ما لم يذكر في غيرها. وهو استيلاء قوم أولى بأس الآشوريين عليهم ثم استيلاء قوم آخرين وهم الروم عليهم.
وتسمى أيضا سورة"سبحان"، لأنها افتتحت بهذه الكلمة. قاله في بصائر ذوي التمييز.
وهي مكية عند الجمهور. قيل: إلا آيتين منها، وهما ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ﴾ إلى قوله: ﴿قَلِيلاً﴾ [الإسراء: ٧٣]. وقيل: إلا أربعا، هاتين الآيتين، وقوله: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠]، وقوله: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْق﴾ [الإسراء: ٨٠]. وقيل: إلا خمسا، هاته الأربع، وقوله :﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِه﴾ [الإسراء: ١٠٧]إلى آخر السورة. وقيل: إلا خمس آيات غير ما تقدم، وهي المبتدأة بقوله :﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ الآية [الإسراء: ٣٣]، وقوله: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى﴾ الآية [الإسراء: ٣٢]، وقوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ الآية [الإسراء: ٥٧]، وقوله: ﴿أَقِمِ الصَّلاة﴾ الآيةَ[الإسراء: ٧٨]، وقوله: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّه﴾ الآيةُ[الإسراء: ٢٦]. وقيل إلا ثمانيا من قوله: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ﴾ إلى قوله: ﴿سُلْطَاناً نَصِيراً﴾ [الإسراء: ٧٣ـ٨٠].
وأحسب أن منشأ هاته الأقوال أن ظاهر الأحكام التي اشتملت عليها تلك الأقوال يقتضي أن تلك الآي لا تناسب حالة المسلمين فيما قبل الهجرة فغلبت على ظن أصحاب تلك الأقوال مدنية. وسيأتي بيان أن ذلك غير متجه عند التعرض لتفسيرها.
ويظهر أنها نزلت في زمن فيه جماعة المسلمين بمكة، وأخذ التشريع المتعلق بمعاملات جماعتهم يتطرق إلى نفوسهم، فقد ذكرت فيها أحكام متتالية لم تذكر أمثال عددها في سورة مكية غيرها عدا سورة الأنعام، وذلك من قوله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ إلى قوله :﴿كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً﴾ [الإسراء: ٢٣ـ٣٨].