نزلت بمكة إلا آية واحدة وهو قوله تعالى: (وَاِسأَلهُم عَنِ القُريَةِ الَّتي كانَت حاضِرَةَ البَحر) إلى قوله (وَإِنّه لَغَفورٌ رَحيم) نزلت في اليهود بالمدينة.
وهي تحتوي على آيتين منسوختين.
الآية الأولى: قوله تعالى: (وَأَملي لَهُم).
موضع (أَملي) ههنا: أي خل عنهم ودعهم. وباقي الآية محكم.
نسخ منها ما نسخ بآية السيف.
الآية الثانية: قوله تعالى: (خُذِ العَفوَ).
هذا منسوخ، يعني: الفضل من أموالهم، نسخ بآية الزكاة.
وهذا الآية أعجب المنسوخ، لأن أولها منسوخ، وأوسطها محكم، وآخرها منسوخ: قوله: (وَأَعرِض عَنِ الجاهِلينَ) نسخ بآية السيف.
وأوسطها: (وَأمُر بِالعُرف): العرف: المعروف، فهذا محكم.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن جبريل آتاه فقال له: يا محمد، إني جئتك بمكارم الأخلاق من ربك، قال: وما ذلك؟ فقال: الله يأمرك أن تفيء: (خُذ العَفو). قال: وما معنى ذلك يا جبريل؟ فقال جبرائيل عليه السلام: يقول: صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك).
وروي عن عبد الله بن الزبير أنه قال: أمر أن يأخذ الأخلاق بالعفو عن الناس.
فهذا ما ورد فيها، والله أعلم.
سورة الأنفال
نزلت في المدينة إلا آيتين منها، وهما: قوله تعالى: (وَإِذ يَمكُرُ بِكَ الَّذينَ كَفَروا لِيُثبِتوكَ).
وقوله تعالى: (يا أَيُّها النَبِيُّ حَسبُكَ اللَهُ وَمَنِ اِتَّبَعَكَ مِنَ المُؤمِنين).
وروي أن النضر بن الحرث دعا: (اللَّهُمَّ إِن كانَ هذا هُوَ الحَقَّ مِن عِندِكَ فَأَمطِر عَلَينا حِجارَةً مِنَ السَماءِ أَو اِئتِنا بِعذابٍ أَليم) فأنزل الله تعالى: (سَأَلَ سائِلٌ بِعذابٍ واقِعٍ. لِلكافِرين).
وهي تحتوي من المنسوخ على ستة آيات: الآية الأولى: قوله تعالى: (يَسأَلونَكَ عَنِ الأَنفالِ) والأنفال: الغنائم، و (عن) هذه صلة في الكلام، تقديره: يسألونك الأنفال، قال الله تعالى: (قُلِ الأَنفالُ لِلَّه وَالرَسولِ).
وإنما سألوه أن ينفلهم الغنيمة، وذلك: أن رسول الله ﷺ لما رأى ضعفهم وقلة عدتهم يوم بدر، فقال مرغبا ومحرضا: (من قتل قتيلا فله سلبه، ومن أسر أسيراً فله فداؤه).
فلما وضعت الحرب أوزارها نظر في الغنيمة، فإذا هي أقل من العدد، فنزلت هذه الآية.
ثم صارت منسوخة بقوله تعالى: (وَاِعلَموا أَنّما غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلَّرسول).
الآية الثانية: قوله تعالى: (وَما كانَ لِيُعَذِّبوكَ وَأَنتَ فيهِم وَما كانَ اللَهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم يَستَغفِرون).
ثم نزلت من بعدها آية ناسخة لها، وهي التي تليها، فقال (وَما لَهُم أَلّا يُعَذِّبهُمُ الله).
الآية الثالثة: قوله تعالى: (وَإِن جَنَحوا لِلسلمِ فَاِجنَح لَها).
إلي ههنا منسوخ، وباقي الآية محكم.
نزلت في اليهود، ثم صارت منسوخة بقوله تعالى: (قاتِلوا الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِاللَهِ وَلا بِاليَومِ الآخِر) إلى قوله: (وَهُم صاغِرونَ).
الآية الرابعة: قوله تعالى: (يا أَيُّها النَبِيُّ حَرِّضِ المُؤمِنينَ عَلى القِتال).
هذا محكم، والمنسوخ: قوله تعالى: (إِن يَكُن مِنكُم عِشرونَ صابِرونَ يَغلِبوا مِئَتَين) إلى آخر الآية. فكان فرضا على الرجل أن يقاتل عشرة، فمتى تنافر عمن دونها كان مولي الدبر، فعلم الله عجزهم، فيسر وخفف، فنزلت الآية التي بعدها، فصارت ناسخة لها، فقال الله فيسر وخفف، فنزلت الآية التي بعدها، فصارت ناسخة لها، فقال الله تعالى: (الآنَ خَفَّفَ اللَهُ عَنكُم وَعَلِمَ أَنَّ فيكُم ضَعفاً).
والتخفيف لا يكون إلا من ثقل، فصار فرضا على الرجل أن يقاتل.
رجلين، فإن هزم من أكثر لم يكن موليا، بدليل ظاهر الآية.
الآية الخامسة: قوله تعالى: (وَالَّذينَ آمَنوا وَلَم يُهاجِروا ما لَكُم مِن وَلايَتِهِم مِن شَيءٍ حَتّى يُهاجِروا).
وكانوا يتوارثون بالهجرة لا بالنسب، ثم قال: (إِلّا تَفعَلونُ تَكُن فِتنَةٌ في الأَرضِ وَفَسادٌ كَبير).
ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: (وَأولوا الأَرحامِ بَعضُهُم أَولى بِبَعضٍ في كِتابِ اللَه) فتوارثوا بالنسب.
الآية السادسة: قوله تعالى: (وَإِن اِستَنصَروكُم في الدِينِ فَعَلَيكُم النَصر) إلى قوله تعالى: (إِلّا تَفعَلوهُ تَكُن فِتنَةً في الأَرضِ).