فقالت قريش: لقد خصمنا محمد بالأمس، حيث تلا هذه الآية. فقال لهم ابن الزبعري: أنا أخاصم محمداً بهذه الآية. فقالوا: كيف تخصمه؟ فقال: قلت: إن اليهود قد عبدت عزيزا، والنصارى عبدت المسيح ومريم، وقالوا: ثالث ثلاثة، والمجوس عبدت النار والنور والشمس والقمر، والصابئات عبدت الكواكب، ويكون هؤلاء مع من عبدوهم في النار؟ فقد رضينا أن نكون مع أصنامنا في النار.
فأنزل الله تعالى: (إِنَّ الَّذينَ سَبَقَت لَهُم مِنّا الحُسنى) إلى قوله تعالى: (هذا يَومُكُمُ الَّذي كُنتُم توعَدون).
وفيها رواية أخرى: أن النبي ﷺ قال لهم: (عجبت من جهلكم بلغتكم، أن حملكم على كفركم؟ قال الله تعالى: (إِنَّكُم وَما تَعبُدونَ مِن دونِ اللَهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُم لَها وارِدون) ولم يقل: ومن تعبدون).
لأن ما خطاب لما لا يعقل، ومن خطاب لمن يعقل، والله أعلم بالصواب.
سورة الحج
وهي من أعاجيب سور القرآن، لأن فيها ليلياً ونهارياً، ومكياً، ومدنياً، وسفرياً وحضرياً، وحربياً وسلمياً، وناسخاً ومنسوخاً، ومتشابهاً.
والعدد فيها مختلف: فعدها الشاميون: أربعاً وسبعين آية.
وعدها المدنيون: ستاً وسبعين آية.
وعدها البصريون: خمساً وسبعين آية.
وعدها المكيون: سبعاً وسبعين آية.
وعدها الكوفيون: ثماناً وسبعين آية.
فأما المكي: فمن رأس خمس وعشرين آية إلى آخرها.
وأما المدني: فمن رأس خمس وعشرين إلى راس ثلاثين.
وأما الليلي: فمن أوله وآخرها خمس آيات.
وأما النهاري: فمن راس خمس إلى تسع آيات.
وأما السفري: فمن رأس تسع إلى اثني عشر آية.
وأما الحضري: فمن أولها إلى رأس العشرين، ينسب إلى المدنية لقرب مدته.
تحتوي من المنسوخ على ثلاث آيات: الآية الأولى: قوله تعالى: (وَما أَرسَلنا مِن قَبلِكَ مِن رَسولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلّا إِذا تَمَنّى أَلقى الشَيطانُ في أُمنِيَّتِهِ). وذلك: أن رسول الله ﷺ صلى بأصحابه بمكة، وقرأ بهم سورة والنجم، حتى انتهت قراءته إلى قوله: أَفَرَأَيتُم اللاتَ وَالعُزى. وَمَناتَ الثَالِثَةَ الأُخرى. أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثى) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: تلك الغرانيق العلى، وشفاعتهن ترتجى. فجاء جبريل عليه السلام وقال: ما هكذا نزلت عليك، فنسخها الله تعالى بقوله: (سَنُقرِئُكض فَلا تَنسى).
وقد بينا شرحها في سورة طه.
وجد في نسخة أخرى آية منسوخة، وهي قوله تعالى: (يا أَيُّها الناسُ إِنَّما أَنا لَكُم نَذيرٌ مُبين) بمعنى الإنذار، بآية السيف.
الآية الثانية: قوله تعالى: (فَإِن جادلوكَ فَقُلِ اللَهُ أَعلَمُ بِما تَعلَمون).
نسختها آية السيف.
الآية الثالثة: قوله تعالى: (وَجاهِدوا في اللَهِ حَقَّ جِهادِه).
نسخها قوله: (فَاِتَّقوا اللَهَ ما اِستَطَعتُم).
سورة المؤمنين
نزلت بمكة.
تحتوي من المنسوخ آيتين: الآية الأولى: قوله تعالى: (فَذَرهُم في غَمرَتِهِم حَتّى حينٍ).
نسختها آية السيف.
الآية الثانية: قوله تعالى: (اِدفَع بِالتّي هِيَ أَحسَنُ).
نسختها بآية السيف.
سورة النور
نزلت بالمدينة.
وفيها من المنسوخ سبع آيات: الآية الأولى: قوله تعالى: (وَالَّذينَ يَرمونَ المُحصَناتِ ثُمَّ لَم يَأتوا بِأَربَعَةِ شُهَداءَ فَاِجلِدوهُم ثَمانينَ جَلدَة).
نسخت بالاستثناء، وهو قوله تعالى: (إِلّا الَّذينَ تابوا مِن بَعدِ ذلكَ).
وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لأبي بكرة: إن شئت قبلت شهادتك.
وقد ذهب آخرون إلى أن شهادة القاذف لا تقبل.
الآية الثانية: قوله تعالى: (الزاني لا يَنكِهُ إِلّا زانِيَةً أَو مُشرِكَةً وَالزانِيَةُ لا يَنكِحُها إِلّا زانٍ أَو مُشرِكٌ).
وقد اعترض على قوله (الزاني لا يَنكِحُ إِلّا زانِيَةً).
فقالت طائفة: قدم ذكر السارق على السارقة، لأن فعل الرجل في السرقة أقوى، وحكمه أغلب من الرجل. وقدم ذكر الزانية على الزاني، لأنها تحتوي إثم الفعل وإثم المواطأة.
نسختها الآية التي بعدها من قوله: (وَأَنكِحوا الأَيامي مِنكُم وَالصالحينَ مِن عِبادِكُم وَإِمائِكُم).
وقد اختلف أهل العلم في الزانية إذا زنت: هل تحرم على زوجها أم لا؟ فقال الأكثرون: لا تحرم عليه.


الصفحة التالية
Icon