وقال الآخرون: إذا وقع الزنى قبل العقد لم يزالا زانيين أبدا.
وقال الأكثرون من الصاحبة والتابعين: يجب لهما جميعا إذا زنيا قبل العقد أن يتوبا، بقوله تعالى: قوله تعالى: (وتوبوا إِلى اللَهَ جَميعاً).
وقال الضحاك بن مزاحم: مثلهما كمثل رجل دخل بستانا أخذ منه شيئا غصبا، ثم عاد ليبتاع منه شيئا بثمنه، وكان ما أخذه غصبا حراما وما ابتاعه حلالا.
وقالت عائشة رضي الله عنها: إذا فسد الأصلي فسد الفرع.
الآية الثالثة: قوله تعالى: (وَالَّذينَ يَرمونَ أَزواجَهُم وَلَم يَكُن لَهُم شُهَداءُ إِلّا أَنفُسُهُم).
نزلت في عاصم بن عدي الأنصاري، وكان مقدما في الأنصار، وذلك: أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، الرجل يدخل بيته، فيجد مع امرأته رجلا، فإن عجل عليه فقتله قتل به، وإن شهد عليه أقيم عليه الحد، فما يصنع يا رسول الله؟ فما كان إلا أيام يسيرة حتى أبلي رجل من أهل عاصم بهذه البلية، فجاء عاصم إلى رسول الله ﷺ هاربا، فقال: يا رسول الله، لقد ابتلي بهذه البلية رجل من أهل بيتي. فأنزلت هذه الآية. قال الله تعالى: (فَشَهادَةُ أَحَدِهِم أَربَعُ شَهاداتٍ بِاللَهِ إِنَّهُ لَمِن الصادِقين) فنزلت الملاعنة.
وصورتها: أن يجيء الرجل فيشهد على امرأته بالزنا، فيقعد بعد العصر في محفل من الناس، أو بعد صلاة من الصلوات، فيحلف بالله أربعة أيمان أنه صادق فيما رماها به، ويقول في الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.
ثم ينزل من موضع ارتقى عليه، وتصعد امرأته، فتحلف أربعة أيمان بالله: أن زوجها كاذب فيما قذفها به ورماها به.
وإذا فعل ذلك فرق بينهما بغير طلاق، ولم يجتمعا بعد ذلك أبداً.
وإن جاءت بحمل لم يلحق الزوج منه شيء، وتكون هي أبا ولدها.
فإن حلف أحدهما ونكل الآخر أقيم الحد على الناكل.
وإن نكلا جميعا أقيم الحد عليهما جميعا.
والحد في مذهب أهل الحجاز: الرجم.
والحد في مذهب أهل العراق: الجلد.
الآية الرابعة: قوله تعالى: (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا لا تَدخُلوا بُيوتاً غَيرَ بُيوتِكُم حَتّى تَستَأنِسوا وَتُسَلِّموا عَلى أَهلِها).
هذا مقدم ومؤخر، معناه: حتى تسلموا وتستأنسوا. والاستئناس ههنا الإذن بعد السلام.
ثم نسخت من هذه الآية البيوت الخليات، مثل: الربط، والخانات، والحوانيت. فقال: (لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أضن تَدخُلوا بُيوتاً غَيرَ مَسكونَةٍ فيها مَتاعٌ لَكُم).
الآية الخامسة: قوله تعالى: (وَقُل لِلمُؤمِناتِ يَغضُضنَ مِن أَبصارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فَروجَهُنَّ).
ثم نسخ من الآية بقوله تعالى: (وَالقَواعِدُ مِنَ النِساءِ اللاتي لا يَرجونَ نِكاحاً وَلَيسَ عَلَيهِنَّ جُناحٌ أَن يَضَعنَ ثِيابَهُنَّ غَيرَ مُتَبِرِّجاتٍ بِزينَةٍ).
وهي التي تضع الجلباب والخمار. قال: (وَأَن يَستَعفِفنَ خَيرٌ لَهُنَّ).
الآية السادسة: قوله تعالى: (فَإِن تَوَلّوا فَإِنَّما عَلَيهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيكُم ما حُمِّلتُم).
نسختها آية السيف.
وباقي الآية محكم، والله أعلم.
الآية السابعة: قوله تعالى: (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا لِيَستَأذِنكُمُ الَّذينَ مَلَكَت أَيمانُكُم وَالَّذينَ لضم يَبلُغوا الحُلُمَ مِنكُم ثَلاثَ مَرّاتٍ).
نسختها الآية التي تليها، وهي قوله تعالى: (وَإِذا بَلَغَ الأَطفالُ مِنكُم الحُلمَ فَليَستَأذِنوا كَما اِستَأذَنَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم).
سورة الفرقان
نزلت بمكة وفيها من المنسوخ آيتان متلاصقتان: قوله تعالى: (وَالَّذينَ لا يَدعونَ مَعَ اللَهَ إِلها آخَر) إلى قوله: (وَيَخلُد فيهِ مِهاناً).
ثم نسخها الله تعالى بالاستثناء، قال: (إِلّا مَن تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأولئِكَ يُبَدِّلُ اللَهَ سَيِّئاتِهِم حَسَناتٍ(.
واختلف المفسرون في التبديل. أيقع في الدنيا أم في الآخرة؟ فقالت طائفة: التبديل في الدنيا، يصير مكان الإصرار على الذنب الإقلاع، ومكان المعصية التوبة، ومكان الإقامة على الذنب الاعتذار منه.
وقال الآخرون: التبديل يقع في الآخرة، وهو قول علي بن الحسن وجماعة.


الصفحة التالية
Icon