فمن جعلها محكمة استدل بما روي: أن النبي ﷺ لما قدم المدينة أحسن الأنصار جواره وجوار الصحابة، حتى واسوهم بالمال والأنفس، وقال بعض الأنصار لبعض: لو واسيتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفينا من يقدم عليه الوفد وليس عنده شيء، فلو جمعتم له مما بينكم مالا، فكان إذا قدم الوفد عليه أنفقه عليهم. فقالوا: لا نفعل حتى نستأذن، فاستأذنوه في ذلك، فنزلت قوله تعالى: (قُل لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إِلّا المَوَدَّةَ في القُربى) يعني على بلاغ الرسالة جعلا: (إِلّا المَوَدَّةَ في القُربى) في قرابتي.
هذا قول من زعم أنها محكمة.
(قُل ما سَأَلتُكُم عَلَيهِ مِن أَجرٍ فَهُوَ لَكُم).
سورة الزخرف
نزلت بمكة.
وفيها آيتان منسوختان: الآية الأولى: قوله تعالى: (فَذَرهُم يَخوضوا وَيَلعَبوا حَتّى يُلافوا يَومَهُم الَّذي يوعَدون).
نسختها آية السيف.
الآية الثانية: قوله تعالى: (فَاِصفَح عَنهُم وَقُل سَلامٌ فَسَوفَ يَعلَمون).
نسختها آية السيف.
سورة الدخان
نزلت بمكة.
وفيها من المنسوخ آية واحدة، وهي قوله تعالى: (فَاِرتَقِب إِنَّهُم مُرتَقِبون).
أي ارتقب بهم العذاب، إنهم مرتقبون مثل حكمها في الموت. والارتقاب الانتظار.
نسختها آية السيف.
سورة الجماثية
نزلت بمكة.
وفيها من المنسوخ آية واحدة، وهي قوله تعالى: (قُل لِلَّذينَ آَمَنوا يَغفِروا لِلَّذينَ لا يَرجونَ أَيّامَ اللَه).
نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك أنه كان في مكة قد كلمة رجل من المشركين بهجيه، فهم به عمر، فنزلت فيه: (قُل لِلَّذينَ آمَنوا يَغفِروا لِلَّذينَ لا يَرجونَ أَيّامَ الله).
واختلف المفسرون في معناها: فقالت طائفة: لا ينالون نعمة الله.
وقال الآخرون: لا يخافون نقمة الله.
الآية صارت منسوخة بآية السيف.
سورة الأحقاف
نزلت بمكة.
وفيها من المنسوخ آيتان: الآية الأولى: قوله تعالى: (قُل ما كُنتُ بِدعاً مِنَ الرُسُلِ) أي أول الأنبياء بعثا. هذا محكم.
والمنسوخ: (وَما أَدري ما يُفعَلُ بي وَلا بِكُم).
قال الشيخ: وليس في القرآن منسوخ طال حكمه كهذه الآية، لأنه عمل بها بمكة عشر سنين، وعيره المشركون، فهاجر إلى المدينة، فبقي ست سنين يعيرونه، وكان المشركون يقولون: كيف يجوز لنا اتباع رجل لا يدري ما يفعل به ولا بأصحابه.
وقال المنافقون من أهل المدينة مثل ذلك، فلما كان عام الحديبية خرج على أصحابه ووجهه يتهلل فرحا، فقال: (لقد نزلت علي اليوم آية - أو قال: آيات - هي أحب إلي من حمر النعم. أو قال: مما طلعت عليه الشمس). فقال أصحابه: وما ذلك يا رسول الله؟ فقرأ عليهم: (إِنّا فَتَحنا لَكَ فَتحاً مُبيناً) إلى قوله: (وَكانَ اللَهُ عَليماً حَكيماً). فقال أصحابه: ليهنك ما نزل فيك، أعلمك الله ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فأنزل الله تعالى: (وَبَشِّر المُؤمِنينَ بِأَنَّ لَهُم مِنَ اللهِ فَضلاً كَبيراً). وأنزل الله تعالى: (لِيُدخِلَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ جَنّاتٍ) إلى قوله: (فَوزاً عَظيماً).
فقالت المنافقون من أهل المدينة، والمشركون من أهل مكة: قد أعلمه ما يفعل به وما يفعل بأصحابه، فماذا يفعل بنا؟ فنزلت: (وَيُعَذِّبَ المُنافِقينَ وَالمُنافِقاتِ وَالمُشرِكينَ وَالمُشرِكات) أي من أهل مكة والمدينة فغيرهم ( الظانّينَ بِاللَهِ ظَنَّ السَوء).
فقال عبد الله بن أبي: هبة غلب اليهود، فكيف له قدرة على فارس والروم؟ فنزلت: (وَلِلّهِ جُنودُ السَمَواتِ وَالأَرض). هم أكثر من فارس والروم.
وليس في كتاب الله تعالى كلمات منسوخة نسختها سبع آيات إلا هذه الآية.
وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى: (لِيَغفِرَ لَكَ اللَهَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَما تَأَخَّر): قال جماعة: ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة، وما تأخر بعدها.
وقال الآخرون: ما تقدم من ذنبك وما تأخر من ذنوب أمتك، لأنه تيب به على آدم، وهو الشافع لأمته، فيمتن بذلك عليه.
وقال آخرون: ما تقدم من ذنب أبيك إبراهيم، وما تأخر من ذنوب النبيين، فبه تيب أيضاً عليهم.
وقال آخرون: ما تقدم من ذنبك يوم بدر، وما تأخر يوم هوازن.


الصفحة التالية
Icon