أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٢٠١
ينصرفون عن أمر جامع من غير استئذان يلوذ بعضهم ببعض ويستتر به لئلا يراه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم منصرفا قوله تعالى فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ معناه فليحذر الذين يخالفون أمره ودخل عليه حرف الجر لجواز ذلك في اللغة كقوله فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ معناه فبما نقضهم ميثاقهم والهاء في أمره يحتمل أن يكون ضميرا للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم ويحتمل أن يكون ضميرا للّه تعالى والأظهر أنها للّه لأنه يليه وحكم الكناية رجوعها إلى ما يليها دون ما تقدمها وفيه دلالة على أن أوامر اللّه على الوجوب لأنه ألزم للوم والعقاب يخالفه الأمر وذلك يكون على وجهين أحدهما أن لا يقبله فيخالفه بالرد له والثاني أن لا يفعل المأمور به وإن كان مقرا بوجوبه عليه ومعتقدا للزومه فهو على الأمرين جميعا ومن قصره على أحد الوجهين دون الآخر خصه بغير دلالة ومن الناس من يحتج به في أن أفعال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم على الوجوب وذلك أنه جعل الضمير في أمره للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم وفعله يسمى أمره كما قال تعالى وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يعنى أفعاله وأقواله وهذا ليس كذلك عندنا لأن اسم اللّه تعالى فيه بعد اسم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً وهو الذي تليه الكناية فينبغي أن يكون راجعا إليه دون غيره آخر سورة النور.
سورة الفرقان

بسم اللّه الرحمن الرحيم

قوله عز وجل وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً الطهور على وجه المبالغة في الوصف له بالطهارة وتطهير غيره فهو طاهر مطهر كما يقال رجل ضروب وقتول أى يضرب ويقتل وهو مبالغة في الوصف له بذلك والوضوء يسمى طهورا لأنه طهر من الحدث المانع من الصلاة وقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لا يقبل اللّه صلاة بغير طهور
أى بما يطهر وقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا
فسماه طهورا من حيث استباح به الصلاة وقام مقام الماء فيه وقد اختلف في حكم الماء على ثلاثة أنحاء أحدها إذا خالط الماء غيره من الأشياء الطاهرة والثاني إذا خالطته نجاسة والثالث الماء المستعمل فقال أصحابنا إذا لم تخالطه نجاسة ولم يغلب عليه غيره حتى يزيل عنه اسم الماء لأجل الغلبة ولم يستعمل لطهارة البدن فالوضوء به جائز فإن غلب عليه غيره حتى يزيل عنه اسم الماء مثل المرق وماء الباقلاء والخل ونحوه فإن الوضوء به غير جائز وما طبخ بالماء ليكون أنقى له نحو الأشنان والصابون فالوضوء به


الصفحة التالية
Icon