أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٢٧٢
المسلمين هم الأعلون الغالبون ومتى دخلها صلحا برضاهم فهم متساوون إذ كان حكم ما يقع بتراضى الفريقين فهما متساويان فيه ليس أحدهما بأولى بأن يكون غالبا على صاحبه من الآخر وقوله تعالى وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ يحتج به في أن كل من دخل في قربة لا يجوز له الخروج منها قبل إتمامها لما فيه من إبطال عمله نحو الصلاة والصوم والحج وغيره آخر سورة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم.
سورة الفتح
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله عز وجل إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً روى أنه أراد فتح مكة وقال قتادة قضينا لك قضاء مبينا والأظهر أنه فتح مكة بالغلبة والقهر لأن القضاء لا يتناوله الإطلاق وإذا كان المراد فتح مكة فإنه يدل على أنه فتحها عنوة إذ كان الصلح لا يطلق عليه اسم الفتح وإن كان قد يعبر مقيدا لأن من قال فتح بلد كذا عقل به الغلبة والقهر دون الصلح ويدل عليه قوله في نسق التلاوة وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً وفيه الدلالة على أن المراد فتح مكة وأنه دخلها عنوة ويدل عليه قوله تعالى إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ لم يختلفوا أن المراد فتح مكة ويدل عليه قوله تعالى إِنَّا فَتَحْنا لَكَ وقوله تعالى هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وذكره ذلك في سياق القصة يدل على ذلك لأن المعنى سكون النفس إلى الإيمان بالبصائر التي بها قاتلوا عن دين اللّه حتى فتحوا مكة وقوله تعالى قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ روى أن المراد فارس والروم وروى أنهم بنو حنيفة فهو دليل على صحة إمامة أبى بكر وعمر وعثمان رضى اللّه عنهم لأن أبا بكر الصديق دعاهم إلى قتال بنى حنيفة ودعاهم عمر إلى قتال فارس والروم وقد ألزمهم اللّه اتباع طاعة من يدعوهم إليه بقوله تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً فأوعدهم اللّه على التخلف عمن دعاهم إلى قتال هؤلاء فدل على صحة إمامتهما إذ كان المتولى عن طاعتهما مستحقا للعقاب فإن قيل قد روى قتادة أنهم هو ازن وثقيف يوم حنين قيل له لا يجوز أن يكون الداعي لهم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لأنه قال فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ويدل على أن المراد بالدعاة لهم غير النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ومعلوم أنه لم يدع