وقد كثرت التصانيف بعد ابن مجاهد في ذكر قراءتهم وهي من بين مصنف وجيز وكتاب مطول يجمع طرقهم وأخبارهم ورواياتهم وآل الأمر إلى أن صنف كتاب التيسير لأبي عمرو الداني رحمه الله فاعتمد عليه وصرفت العناية إليه لما فيه من التنقيح والاختيار والتحرير والاختصار
ثم إن الله تعالى سهل هذا العلم على طالبيه بما نظمه الشيخ الإمام العالم الزاهد أبو القاسم الشاطبي رحمه الله من قصيدته المشهورة المنعوتة بحرز الأماني التي نبغت في آخر الدهر أعجوبة لأهل العصر فنبذ الناس سواها من مصنفات القراءات وأقبلوا عليها لما حوت من ضبط المشكلات وتقييد المهملات مع صغر الحجم وكثرة العلم وإنما شهرها بين الناس وشرحها وبين معانيها وأوضحها ونبه على قدر ناظمها وعرف بحال عالمها شيخنا الإمام العلامة علم الدين بقية مشايخ المسلمين أبو الحسن علي بن محمد هذا الذي ختم به الله العلم مع علو المنزلة في الثقة والفهم جزاه الله عنا أفضل الجزاء وجمع بيننا وبينه في دار النعيم والبقاء فلما تبين أمرها وظهر سرها تعاطى جماعة شرحها ولم ينصفوا من أباحهم سرحها ورقاهم صرحها وهي أول مصنف وجيز حفظته بعد الكتاب العزيز وذلك قبل بلوغ الحلم وجريان القلم ولم أزل من ذلك الزمان إلى الآن طالبا إتقان معرفة ما احتوت عليه من المعاني وإبراز ما أودع في ذلك الحرز من الأماني وكل حين ينفتح لي من فوائدها باب ومن معانيها ما لم يكن في حساب
وكنت سمعت شيخنا أبا الحسن علي بن محمد المذكور يحكي عن ناظمها شيخه الشاطبي رحمهما الله مرارا أنه قال كلاما ما معناه لو كان في أصحابي خير أو بركة لاستنبطوا من هذه القصيدة معاني لم تخطر لي
ثم إني رأيت الشيخ الشاطبي رحمه الله في المنام وقلت له يا سيدي حكى لنا عنك الشيخ أبو الحسن السخاوي أنك قلت كيت وكيت فقال صدق
وحكى لنا بعض أصحابنا أنه سمع بعض الشيوخ المعاصرين للشاطبي يقول لمته في نظمه لها لقصور الأفهام عن دركها فقال لي يا سيدي هذه يقيض الله لها فتى يبينها أو كما قال قال فلما رأيت السخاوي قد شرحها علمت أنه ذلك الفتى الذي أشار إليه
قلت ثم إن الله تعالى فتح علي من مراجعته وبركات محاضرته معاني لم يودعها كتابه ولم يعرفها أصحابه فأردت تدوينها مع استقصاء شرح للأبيات معنى ولفظا وذكر ما يتعلق بها مما رأيت لها منه قسما وحظا فابتدأت ذلك في كتاب كبير بلغت فيه باب الهمزتين من كلمة في نحو مجلدة بخطي محكمة ثم إني فكرت في قصور الهمم وتغيير الشيم وطولبت بتتميمه فاستقصرت العمر عن تلك الهمة مع ما أنا بصدده من تصانيف مهمة فشرعت في اختصار ذلك الطويل واقتصرت مما فيه على القليل فلا تهملوا أمره لكونه صغيرا حجما فإنه كما قيل كنيف مليء علما وسميته إبراز المعاني من حرز الأماني
وقد أخبرني بهذه القصيدة عن ناظمها جماعة من أصحابه وقرأتها على شيخنا أبي الحسن المذكور مرارا وأخبرني أنه قرأها على ناظمها غير مرة ومات رحمه الله سنة تسعين وخمسمائة في جمادى الآخرة ومولده في آخر سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة فيكون عمره أقل من اثنتين وخمسين سنة

__________


الصفحة التالية
Icon