التفسير بالرأي
مفهومه.. حكمه.. أنواعه
(١/٢)
مساعد الطيار
مفهوم الرأي:
الرأي: مصدر رأى رأياً. مهموز، ويُجمع على آراء وأرءاءٍ.
والرأي: التفكّرُ في مبادئ الأمور، ونظر عواقبها، وعلم ما تؤول إليه من الخطأ والصواب(١).
والتفسير بالرأي: أن يُعْمِلَ المفسر عقله في فَهْمِ القرآن، والاستنباط منه، مستخدماً آلات الاجتهاد. ويَرِدُ للرأي مصطلحاتٌ مرادفةٌ في التفسير، وهي: التفسير العقلي، والتفسير الاجتهادي. ومصدر الرأيِ: العقلُ، ولذا جُعِلَ التفسيرُ العقليُ مرادفاً للتفسير بالرأي.
والقول بالرأي: اجتهادٌ من القائل به، ولذا جُعِلَ التفسيرُ بالاجتهادِ مرادفاً للتفسير بالرأي.
ونتيجة الرأي: استنباط حكم أو فائدةٍ، ولذا فإن استنباطات المفسرين من قَبِيلِ القول بالرأي.
أَنْوَاعُ الرّأي، وموقف السلف منها: يحمل مصطلح (الرأي) حساسية خاصة، تجعل بعضهم يقف منه موقف المتردِّد؛ ذلك أنه ورد عن السلف، آثارٌ في ذمِّه.
بَيْدَ أنّ المستقرئ ما ورد عنهم في هذا الباب (أي: الرأي) يجد إعمالاً منهم للرأي، فما موقف السلف في ذلك؟
لنعرض بعض أقوالهم في ذلك، ثمّ نتبيّن موقفهم منه.
أقوالٌ في ذمِّ الرأي:
١- ورد عن فاروق الأمة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قوله: (اتقوا الرأي في دينكم)(٢).
وقال: (إياكم وأصحاب الرأي؛ فإنهم أعداء السنن. أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا برأيهم، فضلّوا وأضلوا)(٣).
٢- وورد عن الحسن البصري (ت: ١١٠) قوله: (اتهموا أهواءكم ورأيكم على دين الله، وانتصحوا كتاب الله على أنفسكم ودينكم)(٤).
أقوالٌ في إعمالِ الرأي:
ورد عن عمر بن الخطاب والحسن البصري - اللذين نقلت قولاً لهما بذمِّ الرأي ما يدلّ على إجازتهما إعمال الرأي، وهذه الأقوال:
التفسير بالرأي
مفهومه.. حكمه.. أنواعه
(٢/٢)
مساعد الطيار
شروط الرأي المحمود في التفسير:
متى يكون الرأي محموداً؟
سبق في بيان حدِّ الرأي المحمود أنه ما كان قولاً مستنداً إلى علمٍ؛ فإن كان كذلك فهو رأيٌ جائز، وما خرج عن ذلك فهو مذموم.
ولكن.. هل لهذا العلم حدّ يُعْرَفُ به، بحيث يمكن تمييزه والتعويل عليه في الحكم على أيِّ رأيٍ في التفسير؟
لقد اجتهد بعض المتأخرين في بيان جملة العلوم التي يحتاجها من يفسر برأيه حتى يخرج عن كونه رأياً مذموماً.
فالراغب الأصفهاني (ت: القرن الخامس) جعلها عشرة علوم، وهي: علم اللغة، والاشتقاق، والنحو، والقراءات، والسّيَر، والحديث، وأصول الفقه، وعلم الأحكام، وعلم الكلام، وعلم الموهبة(١).
وجعلها شمس الدين الأصفهاني (ت: ٧٤٩) خمسة عشر علماً، وهي: علم اللغة، والاشتقاق، والتصريف، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع، والقراءات، وأسباب النزول، والآثار والأخبار، والسنن، وأصول الفقه، والفقه والأخلاق، والنظر والكلام، والموهبة(٢).
وقد ذكر الأصفهانيان أن من تكاملت فيه هذه العلوم خرج عن كونه مفسراً للقرآن برأيه (أي: المذموم).
وقد نبّه الراغب على أن (من نقص عن بعض ما ليس بواجبٍ معرفته في تفسير القرآن، وأحسّ من نفسه في ذلك بنقصه، واستعان بأربابه، واقتبس منهم، واستضاء بأقوالهم، لم يكن - إن شاء الله - من المفسرين برأيهم)(٣). (أي: المذموم).
وفيما يظهر - والله أعلم - أن في ذكر هذه العلوم تكثّّراً لا دليل عليه، مع ما على بعضها من ملاحظة؛ كعلم الكلام.
إن تكامل هذه العلوم أشبه بأن يكون شرطاً في المجتهد المطلق لا في المفسر؛ إذ متى يبلغ مفسر تكامل هذه العلوم فيه؟
التفسير بالمأثور
نقد للمصطلح وتأصيل
كتبة
مساعد سليمان الطيّار
إن المصطلحات العلمية يلزم أن تكون دقيقة في ذاتها ونتائجها، وإلا وقع فيها وفي نتائجها الخلل والقصور، ومن هذه المصطلحات التي حدث فيها الخلل مصطلح (التفسير بالمأثور)، وفي هذا المصطلح أمران: أنواعه، وحكمه.
أما أنواعه، فقد حدّها من ذكر هذا المصطلح من المعاصرين بأربعة، هي: (تفسير القرآن بالقرآن، وبالسنة، وبأقوال الصحابة، وبأقوال التابعين).(١)
وغالباً ما يحكي هؤلاء الخلاف في جعل تفسير التابعي من قبيل المأثور.(٢)
وأما حكمه، فبعض من درج على هذا المصطلح ينتهي إلى وجوب الأخذ به.(٣)
وأقدم من رأيته نص على كون هذه الأربعة هي التفسير بالمأثور الشيخ محمد بن عبدالعظيم الزرقاني، حيث ذكر تحت موضوع (التفسير بالمأثور) ما يلي: (هو ما جاء في القرآن أو السنة أو كلام الصحابة تبايناً لمراد الله من كتابه) ثم قال: (وأما ما ينقل عن التابعين ففيه خلاف بين العلماء: منهم من اعتبره من المأثور لأنهم تلقوه من الصحابة غالباً ومنهم من قال: إنه من التفسير بالرأي).(٤)
ثم جاء بعده الشيخ محمد حسين الذهبي (ت: ١٩٧٧ م) فذكر هذه الأنواع الأربعة تحت مصطلح (التفسير المأثور)، وقد علل لدخول تفسير التابعي في المأثور بقوله: (وإنما أدرجنا في التفسير المأثور ما روي عن التابعين وإن كان فيه خلاف: هل هو من قبيل المأثور أو من قبيل الرأي؟ لأننا وجدنا كتب التفسير المأثور كتفسير ابن جرير وغيره لم تقتصر على ما ذكر مما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وما روي عن الصحابة، بل ضمنت ذلك ما نقل عن التابعين في التفسير)(٥).
منشأ الخطأ في هذا المصطلح:
إنه فيما يظهر قد وقع نقل بالمعنى عمن سبق أن كتب في هذا الموضوع وبدلاً من أن يؤخذ عنه مصطلحه استبدل به هذا المصطلح الذي لم يتواءم مع هذه الأنواع، ولا مع حكمها كما سيأتي.