تصدير

بسم الله الرحمن الرحيم

تصدير بقلم الأستاذ : محمد أبو الفضل إبراهيم رئيس لجنة إحياء التراث
القرآن الكريم كتاب الله الخالد، ودستور المسلمين الدائم ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ ولم يكد يكتمل نزوله، وتُرتَّب بوحي من الله سوره وآياته، حتى كان محفوظًا في الصدور، مكتوبًا في الصحف، مرويًّا عن الرسول ﷺ بوجوه الأحرف والقراءات.
وكان من الصحابة من رواه بحرف، ومنهم من رواه بحرفين، ومنهم من زاد، ثم تفرقوا في الأمصار، وتلقَّى عنهم التابعون، وعن التابعين أخذ مَنْ بعدهم، إلى أن انتهت الرواية إلى فريق من القراء في القرن الثاني من الهجرة، فانقطعوا للقراءات، واختصوا بها، وأخلَوْا ذرعهم لها، وجعلوا همهم الأكبر، وشغلهم الشاغل، العنايةَ بحصرها وضبطها، وتحرِّى الأَسناد الصحيحة في روايتها؛ حتى صاروا القدوة في هذا الشأن، إليهم تُشد الرحال، ويُقصَدون للتلقِّي عنهم من شتى الجهات، وكان منهم : نافع بن أبي نعيم بالمدينة، وعبد الله بن كثير بمكة، وعاصم بن أبي النَّجود بالكوفة، وأبو عمرو بن العلاء بالبصرة، وعبد الله بن عامر بالشام، وغيرهم ممن ذكرهم أصحاب كتب القراءات المشهورة.
قال صحاب النشر :"ثم إن القراء بعد هؤلاء المذكورين كثروا، وتفرقوا في البلاد وانتشروا، وخلفهم أمم بعد أمم، عُرِفت طبقاتهم، واختلفت صفاتهم، فكان منهم المتقن للتلاوة، المشهور بالرواية والدراية، ومنهم المقتصر على وصف من هذه الأوصاف، وكثر بينهم لذلك الاختلاف، وقلَّ الضبط، واتسع الخرق، وكاد الباطل يلتبس بالحق؛ فقام جهابذة علماء الأمة، وصناديد الأئمة، فبالغوا في الاجتهاد، وبيَّنوا الحق المراد، وجمعوا الحروف والقراءات، وعزَوْا الوجوه والروايات، وميَّزوا بين المشهور والشاذ، والصحيح والفاذ، بأُصول أصَّلوها، وأركان فصَّلوها".
وقد انفسخت أمام هؤلاء العلماء مجالات البحث، وتنوعت المقاصد والأغراض، وأُثِر عنهم من الكتب والآراء ما لا يدخل تحت حصر، وما زالت عناية المسلمين قائمة بهذا الفن إلى اليوم - تصنيفًا وتدريسًا ورواية - في حلقات الدروس ومختلف المعاهد.


الصفحة التالية
Icon