سورة عم يتساءلون :

بسم الله الرحمن الرحيم

عكرمة وعيسى :"عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ".
قال أبو الفتح : هذا أضعف اللغتين، أعني إثبات الألف في "ما" الاستفهامية إذا دخل عليها حرف جر. وروينا عن قطرب لحسان.
على ما قام يشتمني لئيم كخنزير تمرغ في دمان١
فأثبت الألف مع حروف الجر.
ومن ذلك قراءة ابن الزبير وابن عباس والفضل بن عباس وعبد الله بن يزيد وقتادة :"وَأَنْزَلْنَا بالْمُعْصِرَاتِ".
قال أبو الفتح إذا أنزل منها فقد أنزل بها، كقولهم : أعطيته من يدى درهما، وبيدي درهما. المعنى واحد، وليست "من" ههنا مثلهم في قولهم : أعطيته [١٦٤و] من الدراهم، لأن هذا معناه بعضها، وليس يريد أن الدرهم بعض اليد، لكن معنى "من" هنا ابتداء الغاية، أي كان ابتداء العطية من يده وليس معناه : أعطاه بعض يده.
ومن ذلك قراءة علي :"وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّابًا".
قال أبو الفتح : يقال : كذب يكذب كذبا وكذابا، وكذب كذابا، بتثقيل الذال فيهما جميعا. وقالوا أيضا : كذابا، خفيفة. وقال قطرب : قالوا : رجل كذاب : صاحب كذب.
وحكى أبو حاتم عن عبد الله بن عمر :"وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّابًا"، بضم الكاف، وتشديد الذال، وقال : لا وجه له، إلا أن يكون "كذاب" جمع كاذب، فتنصبه على الحال : وكذبوا بآياتنا في حال كذبهم. وقال طرفة :
إذا جاء ما لا بد منه فمرحبا به حين يأتي لا كذاب ولا علل٢
وقال : رجل كيذبان، وكيذبان، وكاذب، وكذوب، وكذب، وكذاب، وكذبذب - بتشديد الذال - وكذبذب، بتخفيفها.
قرأت على أبي علي في نوادر أبي زيد، ورويناه عن قطرب وغيره من أصحابنا :
وإذا أتاك بأنني قد بعثها بوصال غائبة فقل : كذبذب٣
وهو أحد الأمثلة الفائتة لكتاب سيبويه. وقد يجوز أن يكون قوله :"كِذَّابًا" - بالضم، وتشديد الذال - وصفا لمصدر محذوف، أي : كذبوا بآياتنا كذابا كذابا، أي : كذابا متناهيا في معناه، فيكون الكذاب ههنا واحدا لا جمعا، كرجل حسان، ووجه وضاء، ونحو
١ من قصيدة يهجو بها بني عابد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم. ويروى :
ففيم تقول يشتمني لئيم
والدمان : الرماد، والسرقين، وعفن النخلة. والصواب رماد لادمان، لأن القصيدة دالية. وانظر الديوان : ٣٨، وشرح شواهد الشافية : ٢٢٤.
٢ انظر الديوان : ١١٥.
٣ لجريبة بن الأشيم يصف جمله، ويروى "بعته" مكان "بعتها" وربما قيل عن الناقة جمل. وانظر النوادر : ٧٦، والخصائص : ٣ : ٢٠٤.


الصفحة التالية
Icon