سورة الضحى :

بسم الله الرحمن الرحيم

قرأ :"مَا وَدَّعَك"، خفيفة - النبي "صلى الله عليه وسلم" وعروة بن الزبير.
قال أبو الفتح : هذه قليلة الاستعمال. قال سيبويه : استغنوا عن وذر وودع بقولهم : ترك١، وعلى أنها قد جاءت في شعر أبي الأسود، قال : وأنشدناه أبو علي :
ليت شعري عن خليلي ما الذي غاله في الحب حتى ودعه٢
إلا أنهم قد استعملوا مضارعة، فقالوا : يدع. ويروى بيت الفرزدق :
وعض زمان يا بن مروان لم يدع من المال إلا مسحتا أو مجلف٣
على ثلاث أصرب : لم يدع، ولم يدع - بكسر الدال، وفتح الياء - ولم يدع، بضم الياء.
فأما يدع - بفتح الياء والدال - فهو المشهور، وإعرابه أنه لما قال : لم يدع من المال إلا مسحتا دل على أنه قد بقى، فأضمر ما يدل عليه القول، فكأنه قال : وبقى مجلف.
وأما يدع - بفتح الياء وكسر الدال - فهو من الاتداع، كقولك : قد استراح وودع، وهو وادع من تعبه. فالمسحت - على هذه الرواية - مرفوع بفعله، ومجلف معطوف عليه، وهذا ما لا نظر فيه لوضوحه.
وأما يدع - بضم الياء - فقياسه يودع، كقول الله "تعالى" :﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾، ومثله يوضع، والحديد يوقع، أي : يطرق، من قولهم : وقعت الحديدة، أي : طرقتها. قالوا : إلا أن هذا الحرف كأنه - كثرة استعماله - جاء شاذا، فحذفت واوه تخفيفا، فقيل : لم يدع٤، أي : لم يترك، والمسحت والمجلف جميعا مرفوعان أيضا، كما يجب.
٢ عبارة سيبويه : كما أن يدع ويذر على ودعت، ووذرت، وأن لم يستعمل "الكتاب : ٢ : ٢٥٦".
٣ ينسب أيضا لأنس بن زنيم في أبيات قالها لعبيد الله بن زياد. وانظر شرح شواهد الشافية : ٥٣، والخصائص : ١ : ٩٩.
١ من قصيدة في مدح عبد الله بن مروان، وقبله :
إليك أمير المؤمنين رمت بنا شعوب النوى والهوجل المتعسف
والهوجل : المفازة البعيدة لا علم بها. والمسحت : المبدد. والمجلف : الذي أخذ من جوانبه، والذي بقيت منه بقية. ويروى مجرف مكان "مجلف"، من جرفه : إذا ذهب به كله، أو أخذه أخذ كثيرا. وانظر ديوان الشاعر : ٥٥٦، والنقائض ٢ : ٥٥٦، والخصائص ١ : ٩٩.
٣ كذا في ك، وفي الأصل : يودع، وهو تحريف.


الصفحة التالية
Icon