ص : ٦٢٤
من سورة الأحزاب
قال اللّه تعالى : ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤) ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥)
المراد بالقلب هنا : المضغة الصنوبرية في داخل التجويف الصدري، والجعل الخلق، وإذا كان الرجل لم يخلق له قلبان - والرجل أكمل النوع الإنساني حياة - فأولى ألا يكون للأنثى قلبان، وأما الصبيان فمآلهم أن يكونوا رجالا، فالمعنى حينئذ :
ما خلق اللّه لأحد من الناس قلبين في جوفه، وكانت العرب تزعم أنّ كلّ لبيب أريب له قلبان، واشتهر أبو معمر الفهري بين أهل مكة بذي القلبين لقوة حفظه.
تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ نزل القرآن الكريم والعرب يعقلون من هذا التركيب (ظاهر من زوجته) أنه قال لها :«أنت عليّ كظهر أمّي» فهو نظير (لبّى) إذا قال :(لبيك) و(أفف) إذا قال :(أف) و(سبّح) إذا قال :(سبحان اللّه) و(كبّر) إذا قال :(اللّه أكبر). فجاء الشرع فألحق بهذه الصيغة - «أنت عليّ كظهر أمّي» - في الحكم كلّ ما يدلّ على تشبيه الرجل زوجته أو جزءا منها بأنثى محرّمة عليه على التأبيد.
وقد كان الظهار في الجاهلية طلاقا لا حلّ بعده برجعة ولا بعقد، لأنهم كانوا يجرون أحكام الأمومة على المظاهر منها، فأبطل اللّه هذه العادة، وجعل للظّهار أحكاما سوف يأتي بيانها في تفسير سورة المجادلة إن شاء اللّه.
أَدْعِياءَكُمْ الأدعياء جمع دعي، وهو الذي يدعى ابنا وليس بابن، وقد كان التبني عادة فاشية في الجاهلية وصدر الإسلام، يتبنّى الرجل ولد غيره، فتجري عليه أحكام البنوّة كلّها. وقد تبنّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم زيد بن حارثة، وتبنّى حذيفة سالما مولاه، وتبنّى الخطاب - أبو عمر رضي اللّه عنه - عامر بن أبي ربيعة. وكثير من العرب تبنى ولد غيره، فجاء القرآن الكريم بإبطال هذا العمل وإلغائه.
بيّنت الآية أنّ هذه الأمور الثلاثة باطلة لا حقيقة لها، فكون الرجل له قلبان أمر لا حقيقة له في الواقع. وجعل المظاهر منها أمّا أو كالأم في الحرمة المؤبّدة من