ص : ٦٧٠
من سورة سبأ
قال اللّه تعالى في قصة سليمان عليه السلام : يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (١٣)
هذا شيء من قصة نبي اللّه سليمان عليه السلام المذكورة في هذه السورة، ولتعلم سياق الحديث فيها نذكر لك ما قبل هذه الآية. قال اللّه تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢) [سبأ : ١٠ - ١٢].
فضمير يَعْمَلُونَ عائد على الجن، وضمير (له) يعود على سليمان. فكما سخّر اللّه لسليمان الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، وسخّرها عاصفة تجري إلى مسافات بعيدة، سخّر له الجن، وجعلهم طوع أمره، ورهن مشيئته، يعملون صنوفا مما يشاء من أصناف يتعذّر عملها على البشر في ذلك الوقت، وبالسرعة التي يعملها بها الجن، ومن هذه الأشياء المحاريب : وهي جمع محراب، وهي القصور الشامخات، أو البيوت المرتفعة، أو أماكن العبادة، وقد ذكر اللّه المحراب في القرآن في مواضع في سورة آل عمران وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً [آل عمران : ٣٧] فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ [آل عمران : ٣٩] وفي سورة ص وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (٢١) [ص : ٢١].
ويقول الذين يفسرون المحراب بالقصر : إنه سمّي بذلك لأنه يحارب من أجله.
وقد يبدو من قوله تعالى : يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أنّه المكان المعدّ للصلاة. وأما المحاريب المعروفة الآن بما يدخل في الحائط على سمت القبلة ليتبيّن الناس منها جهة القبلة. فيقول المفسرون : إنها شيء لم يكن قد عرف في الصدر الأول.
غير أنّه قد يرجّح كون المحاريب بمعنى القصور الشامخات أنها ذكرت على أنها مما كان يعمله الجنّ لسليمان، وقد يكون عمل القصور مما يستعصي على الناس في ذلك الزمن، لجهلهم بفن العمارة. والتماثيل جمع تمثال بكسر التاء، وهو بوزن تفعال، ولم يرد هذا الوزن في القرآن إلا في لفظين (تلقآء) و(تبيان).


الصفحة التالية
Icon