ص : ٧٥١
من سورة الحشر
قال اللّه تعالى : وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٧)
أفاء : قال المبرّد : يقال : فاء إذا رجع، ومنه قوله تعالى في الإيلاء : فَإِنْ فاؤُ [البقرة : ٢٢٦]، وأفاءه اللّه ردّه، وقال الأزهري «١» : الفيء ما ردّه اللّه على أهل دينه من أموال من خالف أهل دينه بلا قتال : إمّا بأن يجلوا عن أوطانهم ويخلوها للمسلمين، أو يصالحوا على جزية يؤدونها من رؤوس أموالهم، أو مال غير الجزية يفتدون به من سفك دمائهم، كما فعله بنو النضير حين صالحوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، على أنّ لكل ثلاثة منهم حمل بعير مما شاؤوا، سوى السلام، ويتركون الباقي، فهذا المال الذي تركوه هو الفي ء، وهو ما أفاء اللّه على المسلمين، أي رده من الكفار إلى المسلمين.
ولابن العربي في تسمية أيلولة هذه الأموال فيئا معنى لطيف لا بأس أن نطلعك عليه، قال رحمه اللّه : ما أَفاءَ يريد ما ردّ، وحقيقة ذلك، أنّ الأموال في الأرض للمؤمنين حقا، ولعله يشير بذلك إلى معنى قوله تعالى : أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء : ١٠٥] فيستولي عليها الكفار مع ذنوبهم عدلا، فإذا رحم اللّه المؤمنين ردّها عليهم من أيدي الكفار رجعت في طريقها ذلك، فكان ذلك فيئا.
والضمير في (منهم) للذين كفروا من أهل الكتاب المذكورين في أول السورة :
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ وهم يهود بني النضير فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ يقال : وجف الفرس والبعير : يجف وجفا ووجيفا، أسرع في السير، وأوجفه صاحبه : حمله على السير السريع، والضمير في (عليه) يرجع إلى ما في قوله : ما أَفاءَ اللَّهُ والركاب : ما يركب، وهو اسم جمع، وقد خصّ في لسان العرب