ص : ٨٠٥
من سورة المزمل
قال اللّه تعالى : يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (٤)
قال الحسن وعكرمة وعطاء وجابر : إنّ هذه السورة مكية كلّها. وحكى الأصبهاني أنّها مكية ما عدا الآيتين : وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ. وهو مروي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما.
وهناك قول ثالث : أنها مكية ما عدا قوله تعالى : إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ...
وقد اعترض السيوطي في «الإتقان» على الأخير بأنه يرده ما أخرجه الحاكم عن عائشة رضي اللّه عنها أنّ قوله تعالى : إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ إلخ قد نزل بعد نزول صدر السورة بسنة، لما كان قيام الليل فرضا في أول الإسلام قبل أن تفرض الصلوات الخمس. يعني : وإذا كانت الصلوات الخمس قد شرعت في مكة قبل الهجرة بسنة، وقد تمّ بفرضيتها نسخ ما كان قبلها من فرض القيام، ظهر أنّ آخر المزمل من المكي.
ولعلك تختار القول الأول لما أورده السيوطي على الأخير، ولأنّ أمر الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم بالصبر على أذى الكفار، والإعراض عنهم، وهجرهم، إنما كان في أول الإسلام، قبل أن يكثر أنصار الدعوة الإسلامية، وقبل أن يأذن اللّه تعالى للمؤمنين المظلومين أن يدفعوا عن أنفسهم بالقوة. على ما يدل عليه الاستقراء، وتتبع موارد الآيات القرآنية التي تأمر بمثل ما ورد في آيتي وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ والتي بعدها.
يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) المزّمل بتشديد الزاي والميم : اسم فاعل من تزمّل، وأصله المتزمل، فأدغمت التاء والزاي، ومعناه : المتلفف في ثيابه، ومنه قول ذي الرّمة :
وكائن تخطت ناقتي من مفازة ومن نائم عن ليلها متزمل
وقرأه أبيّ على الأصل. كما قرئ بتخفيف الزاي، على أنه اسم فاعل أو اسم مفعول.
وقد اختلف المفسرون في سبب تزمّله عليه الصلاة والسلام، فقيل : إنه كان نائما بالليل متزمّلا في قطيفة، أو أنه يريد فتلفّف بالقطيفة، فجاءه الملك بنداء اللّه تعالى : يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) إلخ ليدع النوم، ويقوم لما هو أهم، وينهض لعبادة اللّه في


الصفحة التالية
Icon