٨ - سورة الأنفال
[ ١ ] حكم الأنفال في الإسلام
التحليل اللفظي
﴿ الأنفال ﴾ : جمع نفل بالتحريك والمراد به هنا الغنيمة، قال لبيد :
إن تقوى ربنا خير نَفَل... وقال عنترة :

إنّا إذا احمرّ الوغى نرَوى القَنَا ونَعِفُّ عند مقاسم الأنفال
وأصل النفل ( بالسكون ) الزيادة. ومنه صلاة النافلة لأنها زيادة على الفريضة الواجبة. ويسمى ( ولد الولد ) نافلة قال تعالى :﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾ [ الأنبياء : ٧٢ ] وتسمى الغنيمة نافلة لأنها زيادة فيما أحل الله لهذه الأمة مما كان محرماً على غيرها وفي الحديث :« وأُحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي » وهنا ثلاثة ألفاظ ( النفل، الغنيمة، الفيء ) فالنفل الزيادة كما بينا وتدخل في الغنيمة أيضاً، لأنها زيادة أحلت لهذه الأمة خاصة، والغنيمة ما أخذ من أموال الكفار بقتال وأما الفيء فهو ما أخذ بغير قتال قال تعالى :﴿ وَمَآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ ﴾ [ الحشر : ٦ ].
﴿ فاتقوا الله ﴾ : بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وأصل التقوى أن يجعل الرجل بينه وبين الشيء الذي يخافه وقاية والمراد أن يتقي عذاب الله بطاعته، ويتقي غضبه بامتثال أوامره قال ابن الوردي :
واتقِ الله فتَقوى الله ما جاورتْ قلبَ امريءٍ إلاّ وصل
ليس من يقطعُ طرقاً بطلاً إنما من يتقي الله البَطل
﴿ ذَاتَ بِيْنِكُمْ ﴾ : أحوال بينكم يعني ما بينكم من الأحوال حتى تكون أحوال ألفة ومحبة واتفاق، والبين في اللغة يطلق على الوصل، والافتراق، وقد جمع المعنيان في قول الشاعر :
فوالله لولا البيْنُ لم يكن الهَوَى ولولا الهَوَى ما حنّ للبيْنِ آلفُ
﴿ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ : أي فزعت لذكره واقشعرت إشفاقاً من عظمته وجلاله، وأصلُ الوجل : الخوف والفزع قال تعالى :﴿ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ﴾ [ الحجر : ٥٢-٥٣ ].
﴿ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً ﴾ : أي زادتهم ثباتاً في الإيمان. وقوة في الاطمئنان، ونشاطاً في الأعمال الصالحة، وقد استدل الجمهور بهذه وأشباهها على زيادة الإيمان، فالإيمان يزيد وينتقص، يزيد بالطاعات وينتقص بالمعاصي كما نبه عليه البخاري.
﴿ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ : أي يعتمدون عليه والتوكل على الله شعار المؤمنين المتقين قال الله تعالى :﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الحي الذي لاَ يَمُوتُ ﴾ [ الفرقان : ٥٨ ].
﴿ يُقِيمُونَ الصلاة ﴾ : أي يؤدونها كاملة مقوّمة تامة الأركان والشروط ولم يقل يؤدون الصلاة أو يصلون لأنه ليس المراد أداء الصلاة فحسب بل المراد الإتيان بها على الوجه الكامل من الاطمئنان والخشوع وأداء الأركان التي أوجبها الله وهذا هو السر في التعبير في كثير من الآيات الكريمة بقوله تعالى :﴿ أَقَامُواْ الصلاة ﴾ [ الحج : ٤١ ] أو ﴿ وَيُقِيمُونَ الصلاوة ﴾ [ البقرة : ٣ ] فافهم رعاك الله.
﴿ دَرَجَاتٌ ﴾ : أي منازل ومقامات عاليات في الجنة.
﴿ وَمَغْفِرَةٌ ﴾ : أي تجاوز عن سيئاتهم.
﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ : وهو ما أعدلهم من نعيم الجنة. والعرب يصفون الذي لا قبح فيه ولا ضرر بأنه كريم.
المعنى الإجمالي
يقول الله تعالى مخاطباً رسوله الكريم : يسألك أصحابك يا محمد عن هذه الغنائم التي غنمتها في أول معركة وقعت بينك وبين المشركين وهي « غنائم بدر » لمن هي؟ وما حكمها؟ وكيف تقسم؟ فقل لهم : هي لله وللرسول يحكم فيها الله تعالى بحكمه ويقسمها الرسول ﷺ على حسب تشريع الله تعالى، فاتقوا الله ولا تختلفوا ولا تتنازعوا في شأنها، لأن ذلك يوجب سخط الله وغضبه عليكم، ويضعفكم أمام عدوكم، وربما كان اختلافكم سبباً لتحريمها عليكم، كما كانت حراماً على من كان قبلكم.


الصفحة التالية
Icon