سورة المجادلة
[ ١ ] الظهار وكفارته في الإسلام
التحليل اللفظي
﴿ سَمِعَ الله ﴾ : السمع والبصر صفتان كالعلم والقدرة، والحياة والإرادة، فهما من صفات الذات لم يزل الخالق سبحانه متصفاً بهما.
ومعنى السميع : المدرك الأصوات من غير أن يكون له أذن لأنها لا تخفى عليه.
قال أبو السعود : ومعنى سمعه تعالى لقولها : إجابة دعائها، لا مجرد علمه تعالى بذلك : كما هو المعنيُّ بقوله تعالى :﴿ والله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ ﴾ أي يعلم تراجعكما الكلام.
﴿ تجادلك ﴾ : أي تراجعك في شأن زوجها، والمجادلة : المناظرة والمخاصمة وفي الحديث :« ما أوتي قوم الجدل إلاّ ضلّوا » والمراد بالحديث الجدل على الباطل، وطلب المغالبة به، لا إظهار الحق فإنّ ذلك محمود لقوله تعالى :﴿ وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [ النحل : ١٢٥ ] والمراد هنا : المراجعة في الكلام.
﴿ وتشتكي ﴾ : الشكوى إظهار البث وما انطوت عليه النفس من الهمّ والغم، وفي التنزيل :﴿ قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله ﴾ [ يوسف : ٨٦ ] وشكا واشتكى بمعنى واحد.
﴿ تَحَاوُرَكُمآ ﴾ : المحاورة المراجعة في الكلام، من حار الشيء يحور حوراً أي رجع يرجع رجوعاً، ومنه حديث :« نعوذ بالله من الحَوْر بعد الكَوْر » ومنه فما أحار بكلمة أي فما أجاب. قال عنترة :

لو كان يدري ما المحاورةُ اشتكى ولكان لو علم الكلام مكلّمي
يريد به فرسه أي لو كان يعلم الكلام لكلَّمني.
﴿ يظاهرون ﴾ : الظهار مشتق من الظهر، وهو قول الرجل لزوجته : أنت عليّ كظهر أمي. ومعناه الأصلي : مقابلة الظهر بالظهر يقال : ظاهر فلان فلاناً أي قابل ظهره بظهره، ثم استعمل في تحريم الزوجة بجعلها كظهر أمه.
قال الألوسي : الظهار لغة مصدر ظاهر، وهو ( مفاعلة ) من الظهر، ويراد به معانٍ مختلفة، راجعة إلى الظهر معنى ولفظاً باختلاف الأغراض.
فيقال : ظاهر زيد عمراً أي قابل ظهره بظهره حقيقة.
وظاهره إذا غايظه وإن لم يقابل حقيقة، باعتبار أن المغايظة تقتضي ذلك.
وظاهره إذا ناصره، باعتبار أنه يقال : قوّى ظهره إذا نصره.
وظاهر بين ثوبين إذا لبس أحدهما فوق الآخر.
وظاهر من امرأته إذا قال لها : أنتِ عليّ كظهر أمي.
وهذا الأخير هو المعنى الذي نزلت فيه الآيات.
قال في « الفتح » :« وإنما خصّ الظهر بذلك دون سائر الأعضاء، لأنه محل الركوب غالباً، ولذلك سُمّي المركوب ظهراً، فشبهت المرأة بذلك لأنها مركوب الرجل ».
﴿ اللائي ﴾ : جمع التي، فيقال : اللاتي، واللائي قال تعالى :﴿ والاتي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ﴾ [ النساء : ٣٤ ].
﴿ مُنكَراً ﴾ : المنكر من الأمر خلاف المعروف، وكلّ ما قبّحه الشرع وحرّمه وكرهه فهو منكر.
﴿ وَزُوراً ﴾ : الزور : الكذب، والباطل الواضح، ومنه شهادة الزور.
﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾ : حرّرته أي جعلته حراً لوجه الله. والرقبة في الأصل : العُنُق ثم اطلقت على ذات الإنسان تسمية للشيء ببعضه، والمراد بها المملوك عبداً أو أمة.


الصفحة التالية
Icon