[٣١٥] هدية الخضر عليه السلام لإبراهيم التيمي
١٩١٨- حدث الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن عمر بن محمد الحسن الفروي قال: ثنا الشيخ أبو طالبٍ محمد بن علي بن عطية #١٣٠٠# المكي، عن سعيد بن سعيدٍ، عن أبي طيبة، عن كرز بن وبرة -وكان من الأبدال- قال: أتاني أخٌ لي من الشام من جبل اللكام فقال لي: يا كرز عندي هديةٌ نويت أن أهديها لك. إني كنت صحبت إبراهيم التيمي دهراً، فلما كان عند وفاته قال لي: اسمع؛ فإن لك علي حقاً لطول الصحبة، ولولا ما حضرني من قضاء الله تعالى بوفاتي ما حدثتك به، وذلك أني كنت يوماً جالساً، وقد صليت صلاة الصبح، وأنا بحذى الركن اليماني بمكة وأنا في التسبيح والتقديس إذ جاءني رجلٌ حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فسلم علي وجلس عن يميني فقلت: من أنت؟ فقال: أنا الخضر. فقلت: صلوات الله على الخضر، وكيف جئتني من بين الناس؟ قال: جئتك حباً مني لك في الله، وعندي هديةٌ نويت أن أهديها إليك، فقلت: وما هذه الهدية؟ قال: أن تقرأ كل يومٍ بعد الصبح وقبل طلوع الشمس، وقبل غروبها: ﴿الحمد لله﴾ سبع مراتٍ، وآية الكرسي سبع مراتٍ، و﴿قل يا أيها الكافرون﴾ سبع مراتٍ، و﴿قل هو الله أحد﴾ سبع مراتٍ و﴿قل أعوذ برب الفلق﴾ سبع مرات و﴿قل أعوذ برب الناس﴾ سبع مراتٍ. وتسبح الله بالباقيات الصالحات وهي: ((سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم))، سبع مراتٍ، ثم تقول: #١٣٠١# صلى الله على محمد النبي الأمي، سبع مراتٍ وتقول: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، وللمسلمين وللمسلمات الأحياء منهم والأموات، سبع مراتٍ، وتقول: اللهم اغفر لي ولوالدي، سبع مراتٍ، وتقول: ((اللهم افعل بي وبهم عاجلاً وآجلاً في الدين والدنيا والآخرة ما أنت له أهلٌ، ولا تفعل بنا يا مولانا ما نحن له أهلٌ؛ إنك غفورٌ رحيمٌ، سبع مراتٍ، وانظر أن تدع ذلك كل غدوةٍ وعشيةٍ. فقلت: ومن أعطاك هذه الهدية؟ فقال: أمتهمٌ أنا يا إبراهيم؟ فإن الأنبياء لا يكذبون، إني سمعت ذلك من محمدٍ ﷺ وكنت عنده حين أوحي إليه به فسمعته ممن سمعه محمدٌ ﷺ - يعني جبريل عليه السلام.
فقلت: علمني صلاةً إذا صليتها رأيت النبي ﷺ في المنام، قال: أن تقوم من المغرب إلى أن تصلي العشاء الآخرة، مصلياً من غير أن تكلم أحداً ركعتين: فاقرأ في كل ركعةٍ بفاتحة الكتاب مرةً، و﴿قل هو الله أحد﴾ ثلاث مراتٍ، وسلم من كل ركعتين فإذا صليت العشاء الآخرة تصلي ركعتي السنة، ثم تأتي الموضع التي تنام فيه، ولا تكلم أحداً من أهل بيتك ولا من غيرهم، وتصلي ركعتين تقرأ فيهما: ﴿الحمد لله﴾ مرةً، و﴿قل #١٣٠٢# هو الله أحد﴾ سبع مراتٍ، وتسجد وتقرأ في سجودك: ﴿الحمد لله﴾ وآية الكرسي، و﴿قل هو الله أحد﴾ والمعوذتين كل واحدةٍ منهن سبع مراتٍ، ثم تسبح الله تعالى بالباقيات الصالحات، وهي ((سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم))، ثم ارفع رأسك واستو جالساً، ثم ارفع يديك، وقل: يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا أرحم الراحمين، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما يا إله الأولين والآخرين، يا رب يا رب يا رب يا الله، يا الله، يا الله، ثم نم وأنت رافعٌ يديك، تقول ما قلت وأنت جالسٌ مرةً، ثم نم بأي موضع شئت مستقبل القبلة على يمينك، وصل على محمدٍ النبي ﷺ حين تدخل الفراش، ونم على ذلك حتى يذهب بك النوم.
قال إبراهيم: فحفظت هذا ثم قلت: أحب أن تخبرني ممن سمعت هذا؟ قال الخضر: يا إبراهيم أمتهم أنا، إن الأنبياء لا يكذبون، والذي بعث محمداً بالحق لقد كنت عند رسول الله ﷺ حين نزل عليه جبريل عليه السلام، وعلمه إياه فتعلمته منه. قلت: فأخبرني ما ثواب هذا الدعاء؟ قال: إذا لقيت محمداً ﷺ فسله عن ثواب ذلك، فإنه يحدثك.
قال إبراهيم: ففعلت ما قال الخضر، فلم أزل أصلي على النبي ﷺ وأنا في الفراش حتى ذهب بي النوم تلك الليلة، وأنا فارحٌ رجاء أن ألقى رسول الله ﷺ فلم أره تلك الليلة، وأصبحت فصليت الفجر وارتفع النهار فصليت الضحى، ثم وضعت رأسي، وأنا أحدث نفسي أن أفعل في الليلة المستقبلة كما فعلت في الليلة الماضية فذهب بي النوم، وأنا على ذلك #١٣٠٣# فبينا أنا كذلك إذ جاءت الملائكة فحملوني وأدخلوني الجنة، فرأيت فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ، ثم رأيت فيها قصراً من لؤلؤٍ أبيض، ورأيت فيها أنهاراً من عسلٍ ولبنٍ وخمرٍ وما يجري في عين خرارة، ورأيت في قصرٍ منها جارية قد أشرقت علي، ووجهها يضيء مثل نور الشمس الضاحية وعليها ذؤابتان قد سقطتا من أعلى القصر إلى أسفله، فسألت الملائكة الذين حملوني عن القصر والجارية؟ فقالوا: هذا لمن عمل مثل عملك، فلم أخرج من الجنان حتى شربت من ذلك الشراب، وأطعموني من تلك الثمار، وردوني إلى الموضع الذي كنت فيه نائماً فإذا النبي ﷺ ومعه سبعون صفاً من الملائكة يكون كل صف منهم من المشرق إلى المغرب فسلموا علي وجلسوا عند رأسي، وأخذ رسول الله ﷺ بيدي ومن معه من الملائكة.
فقلت: يا رسول الله، إن الخضر أخبرني أنه سمع منك هذا الحديث الذي أخبرني به. قال النبي ﷺ :((صدق أبو العباس الخضر، مني سمع، ومن جبريل سمع، وكل شيءٍ يحدث به الخضر فهو الحق، والخضر عالم أهل الأرض، وهو رأس الأبدال، وهو من جند الله في الأرض)). فقلت: يا رسول الله فما لمن عمل هذا العمل من الثواب؟ قال: ((وأي ثوابٍ يكون أعظم من دخول الجنة والأكل من ثمارها، والشرب من ماء أنهارها، وأبصرني في منامه)). قلت: يا رسول الله، فمن فعل مثل ما فعلت، ولم ير #١٣٠٤# ما رأيت في منامي ولم يبصرك في منامه؟ فقال: ((يأمن مقت الله وغضبه، وينادي منادٍ: إن الله قد غفر لك في هذه الليلة مغفرةً أعظم من كل مغفرةٍ غفرها الله لأحدٍ من أنبيائه، ويؤمر صاحب الشمال أن لا يكتب عليه سيئة إلى السنة المقبلة)) فقلت: يا رسول الله، أيعطيه الله هذا الثواب؟ قال: ((نعم)) فقلت: يا رسول الله ينبغي للمؤمنين والمؤمنات أن يتعلموا هذا الفضل الذي فيه. قال: نعم، والذي بعثني بالحق ما يلزم هذا الدعاء وهذه الصلاة إلا أهل السعادة، ولا يسمع به ويتركه إلا أهل الشقاء)) قال: قلت: يا رسول الله، أيعطي الله من يعمل هذا العمل شيئاً غير هذا؟ قال: ((والذي بعثني بالحق نبياً إنه من عمل هذا في ليلةٍ واحدةٍ كتب الله تعالى له بعدد كل قطرة تنزل من السماء منذ خلق الله تعالى الدنيا إلى يوم القيامة، وعدد كل حبةٍ أنبتت الأرض حسناتٍ، ومحا عنه مثل ذلك سيئات)) قلت: يا رسول الله، وهل يعمل رجلٌ واحدٌ مثل هذه السيئات قال: ((لا، ولكن تمحى عن جميع المؤمنين والمؤمنات)) ثم قال: ((احفظ هذا يا إبراهيم فإنه الحق)).
قال إبراهيم: فانتبهت وأنا أرشح عرقاً، والحمد لله على ذلك كثيراً ولولا ما حضرني من قضاء الله ما أخبرتك، وإني لم أخبر به أحداً قبلك.
#١٣٠٥#
قلت: حدث بهذا الحديث الفقيه الفاضل أبو عثمان سعيد بن أحمد بن يوسف الأنصاري رحمه الله، قال: أنا الشيخ الإمام شيخ الإسلام أبو الحسن علي بن يوسف المقدسي بمكة حرسها الله تعالى في المسجد الحرام، بباب الندوة، في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من ذي الحجة سنة ست وأربعين وأربع مائةٍ، قال: أنا الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن عمر بن محمد بن الحسن الفروي إجازةً قال: ثنا الشيخ أبو طالب....


الصفحة التالية
Icon