وجعل أبو علي الفارسي ﴿ورهبانية﴾ مقتطعة من العطف على ما قبلها من ﴿رأفة ورحمة﴾، فانتصب عنده ﴿ورهبانية﴾ على إضمار فعل يفسره ما بعده، فهو من باب الاشتغال، أي وابتدعوا رهبانية ابتدعوها. واتبعه الزمخشري فقال: وانتصابها بفعل مضمر يفسره الظاهر تقديره: وابتدعوا رهبانية ابتدعوها، يعني وأحدثوها من عند أنفسهم ونذروها. انتهى، وهذا إعراب المعتزلة، وكان أبو عليّ معتزلياً. وهم يقولون: ما كان مخلوقاً لله لا يكون مخلوقاً للعبد، فالرأفة والرحمة من خلق الله، والرهبانية من ابتداع الإنسان، فهي مخلوقة له. وهذا الإعراب الذي لهم ليس بجيد من جهة صناعة العربية، لأن مثل هذا هو مما يجوز فيه الرفع بالابتداء، ولا يجوز الابتداء هنا بقوله: ﴿ورهبانية﴾، لأنها نكرة لا مسوغ لها من المسوغات للابتداء بالنكرة.
والظاهر أن ﴿إلا ابتغاء رضوان الله﴾ استثناء متصل من ما هو مفعول من أجله، وصار المعنى: أنه تعالى كتبها عليهم ابتغاء مرضاته، وهذا قول مجاهد، ويكون كتب بمعنى قضى. وقال قتادة وجماعة: المعنى: المعنى: لم يفرضها عليهم، ولكنهم فعلوا ذلك ابتغاء رضوان الله تعالى، فالاستثناء على هذا منقطع، أي لكن ابتدعوها لابتغاء رضوان الله تعالى.
وقرأ الجمهور: ﴿لئلا يعلم﴾، ولا زائدة كهي في قوله: ﴿ما منعك أن لا تسجد﴾، وفي قوله: ﴿أنهم لا يرجعون﴾ في بعض التأويلات.
وري ابن مجاهد عن الحسن: ليلاً مثل ليلى اسم المرأة، يعلم برفع الميم أصله لأن لا بفتح لام الجر وهي لغة، فحذفت الهمزة، اعتباطاً، وأدغمت النون في اللام، فاجتمعت الأمثال وثقل النطق بها، فأبدلوا من الساكنة ياء فصار ليلاً، ورفع الميم، لأن إن هي المخففة من الثقيلة لا الناصبة للمضارع، إذ الأصل لأنه لا يعلم.
وقرأ الجمهور: أن لا يقدرون بالنون، فإن هي المخففة من الثقيلة.
سورة المجادلة
اثنان وعشرون آية مدنية