فمحتوى كلام المفسرين أن معناه هنا أن الله أنزل القرآن شيئاً بعد شيء على حسب ما تقضيه الحاجة، ولئلا يكون على الناس في حفظه والتزام أحكامه مشقة وعسر، فكان في ذلك تبييناً لما فيه الأحكام وتفصيلاً.
ولم يرد أن المقصود فيها هو قراءته القرآن بأحكام التجويد إلا ما ورد بصيغة التضعيف عن أبي السعود بعد نقل المعتمد في تفسيرها مما وافق فيه المفسرين، فقال: وقيل: هو الأمر بترتيل قراءته.
المبحث الثاني
في الأحاديث الواردة في ترتيل القرآن
وردت أحاديث تدل على كيفية قراءة رسول الله - ﷺ - من إعطائه الحروف حقّها في القراءة، والترسل فيها، وترك العجلة ومدَّّ ما يستحق المدّ والوقوف على أواخر الآيات، واستحسانه للصوت الجميل في قراءة القرآن، والحض على إتقان القراءة، وقد اعتنى البخاري في ذكر بعض الأحاديث الواردة في هذا الباب، فرأيت أن أذكر ما ذكره ثم أزيد عليه غيره من الأحاديث من كتب السنن وغيرها مع ذكر كلام بعض الشراح على ما يقتضيه الحال والمقام.
وقد بوَّب البُخاريُّ في ((صحيحه))(١) باباً في ترتيل القرآن، فقال:
باب الترتيل في القراءة، وقوله تعالى: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴾ (٢)، وقوله: ﴿ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ﴾ (٣)، وما يكره أن يهذ(٤) كهذ الشعر.
قال الحافظ ابن حجر(٥): ((كأنه يشير إلى أن استحباب الترتيل لا يستلزم كراهة الإسراع، وإنما الذي يكره الهذ، وهو الإسراع المفرط بحيث يخفى كثير من الحروف أو لا تخرج من مخارجها.
ثم قال البخاري:
((يفرق: يُفَصِّل، قال ابن عبَّاس: فرقناه فصلناه.

(١) صحيح البخاري))(٤: ١٩٢٤).
(٢) من سورة المزمل، الآية (٤).
(٣) من سورة الاسراء، الآية(١٠٦).
(٤) أي يقرأ بسرةعة من غير تأمل كما ينشد الشعر، وأصل الهذ سرعة الدفع. ينظر: ((فتح الباري))(٨: ٧٠٨).
(٥) في ((فتح الباري))(٨: ٧٠٧).


الصفحة التالية
Icon