وقال(١): ((يستحب ترتيل القراءة وتدبرها، وهذا مجمع عليه)).
وإذا تتبعنا واقع الأمة الإسلامية نجد ما نقله من الإجماع مطابق له؛ إذ لم يعهد لا في عصر الصحابة ولا من بعدهم، إلزام الناس بتعلم أحكام التجويد وترتيل القرآن، وتوبيخ أو تعزير من لا يرتل القرآن، والإنكار عليه أشد الإنكار.
وإنما نجد حضّ الناسَ وترغيبهم لتعلمه لما فيه من الأجر الكبير والثواب العظيم كما مرّ في حديث (الماهر في القرآن)، وتطبيقاً لسنة الرسول - ﷺ - في قراءته له، والآثار السابق ذكرها عن الصحابة والتابعين عند تفسير: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴾ شاهدة على ذلك؛ بالإضافة لنص أئمة المذاهب وعلمائها على ذلك كما سبق.
وحديث الذي (يتتعتع في قراءة القرآن أن له أجران) السابق ذكره، يدل على الاستحباب والسنية وينفي الوجوب، فكيف يكون واجباً والرسول - ﷺ - أثبت الأجر والثواب لمن يقرأ ولا يتقن القراءة، ولم يوبخه ويلزمه بإتقان القراءة علاوة على إتقان أحكام التجويد، بل حضه على مواصلة القراءة بهذه التعتعة، وفي نفس الوقت وعد الضابط والمتقن الماهر لقراءته بالدرجة العالية في الجنة، وما هذا إلا ترغيب من المصطفى - ﷺ - بتعلم القرآن وأحكامه لنيل ما وعده.
المبحث الخامس
في أن تعلم أحكام ترتيل القرآن فرض كفاية
إن علم التجويد كسائر العلوم والمعارف الإسلامية فإن تعلمها فرض كفاية على المسلمين، فإذا قام به البعض سقط عن الباقين؛ لأنه لا بد من حفظها وتوصيلها للمسلمين ليعملوا وينتفعوا بها، قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ (٢)، ومعلوم أن حفظ الله لها يكون على أيدي المسلمين، ممن يتخصصون في تعلمه وتعليمه.
(٢) الحجر: ٩.