وقوله رحمه الله :" لو أنه في السبعة " يشير إلى أن الاعتماد في صحة أي وجه من وجوه القراءات على ما استجمع تلك الأوصاف، وليست العبرة بمن تنسب إليهم، فالقراء السبعة أو العشرة ـ مع شهرتهم ـ رُوي عنهم ما خرج عن أوصاف القراءة الصحيحة، وحينئذ ينبغي أن يحكم على ما كان كذلك بالشذوذ ( [٦٠])، ولذلك قال أبو العباس الكوَاشي ( ت ٦٨٠ هـ ) :"... فعلى هذا الأصل بني قبول القراءات عن سبعة كانوا أو سبعة آلاف، ومتى فقد شرط من هذه الثلاثة فهو شاذّ"( [٦١]).
وقال أبو شامة ( ت ٦٦٥ هـ ) :" كل قراءة اشتهرت بعد صحة إسنادها وموافقتها خط المصحف ولم تنكر من جهة العربية فهي القراءة المعتمد عليها، وما عدا ذلك فهو داخل في حيز الشاذّ والضعيف، وبعض ذلك أقوى من بعض "( [٦٢]).
ويتضح مما سبق أن مصطلح الشذوذ عند القراء مصطلح خاص، يقصد به ما خرج من أوجه القراءات عن أركان القراءة المتواترة.
وكما أن القراءات المتواترة على مراتب فكذلك القراءات الشاذة تتفاضل أيضا بحسب إسنادها قوة وضعفا، وبحسب رسمها مخالفة وموافقة، وبحسب عربيتها فصاحة ونحوا وتصريفا( [٦٣]).
ويندرج في القراءات الشاذة ما لم يصح سنده من المنكر والغريب والموضوع( [٦٤]).
وامتنع بعض المحققين من إطلاق الشاذ على ما لم ينقل أصلا وإن صح لغة ورسما، وسموه مكذوبا( [٦٥]).
واعتبر بعض القراء وطوائف من أهل الكلام أن جميع ما روي من القراءات الخارجة عن المصاحف العثمانية محمولة على وجه التفسير وذلك بناء على أن تلك المصاحف اشتملت على جميع الأحرف السبعة، فما خرج منها فهو ليس من الأحرف السبعة أصلا، وهذا النوع على هذا المذهب أشبه بأنواع المدرج في علم الحديث.


الصفحة التالية
Icon