(فَتحُ الجليلِ للعبْدِ الذَّليلِ (
رسالة للسيوطى تتضمن ١٢٠
نوعاً من أنواعِ البديعِ
فى آيةٍ واحدةٍ من القرآنِ الشريف
مُذيلةٌ صفحاتها بشَرحٍ مُوَضِّحٍ مُكَمِّلٍ لمباحِثها
تأليفُ الفقيرِ إلى اللهِ تعالى
محمود شريف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى تفضل بتولى أحبابه وأعرض عمن تولى غيره وأعدّ له أليم عذابهوأودع عجائب البلاغة فى الألفاظ اليسيرة من آيات كتابه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وأصحابه
( وبعد )
فقد وقع الكلام فى قوله تعالى [ الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ] وقررت فيها بضعة عشر نوعاً من الأنواع البديعية ثم وقع التأمل فيها بعد ذلك ففتح الله بزيادة على ذلك حتى تجاوزت الأربعين ثم قَدَّحْت الفكر فلم تزل تستخرج وتنمو إلى أن وصلت بحمد الله مائة وعشرين نوعاً فقد أردت تدوينها فى هذه الكراسة ليستفيد بها من له غرض فى الوقوف على أسرار التنزيل، راجياً من الله الهداية إلى أقوم سبيل
فأقول
(( فى هذه الآية الكريمة )) الطباق وهو الجمع بين الضدين وذلك فى ثلاثة مواضع
بين آمنوا و كفروا
وبين النور والظلمات فى الموضعين
( وفيها ) المقابلة (١) فى ثمانية مواضع
بين الجلالة والطاغوت،
وولىّ وأولياء لأن المفرد يقابله الجمع فى هذا الفن،
وبين آمنوا وكفروا،
ويخرجهم ويخرجونهم لماذكر،
وبين من والى فى الموضعين، لأن من لابتداء الغاية وإلى لا نتهائها فهما متقابلان فقد أورد أهل البديع فى المقابلة قول الشاعر : أزورهم وسواد الليل يشفع لى _____ وأنثنى وبياض الصبح يغرى بى
فقالوا إن بين لى وبى مقابلة،
وبين الظلمات والنور،
والنور والظلمات
( وفيها ) ثمان مجازات
١. فى يخرجهم بمعنى يمنعهم من الدخول فيه إبتداءاً(٢)
٢. وفى يخرجونهم كذلك
(١) الفرق بين الطباق والمقابلة أن الطباق يحصل بين معنيين اثنين متقابلين وأما المقابلة فتحصل بسرد معنيين فأكثرهم ثم سرد ما يقابل كلاً من المسرود كما فى قوله تعالى﴿فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً﴾
(٢) ففيه استعارة تصريحية تبعية بأن يقال شبه المنع من الدخول فى الظلمات بالإخراج منها واستعير لفظ المشبه به للمشبه واشتق منه يخرجهم بمعنى يمنعهم إلخ
(٣) ففيه مجاز عقلى وهو إسناد الفعل أو شبهه إلى ما حقه أن لا يسند إليه وهو يغاير الإستعارة والمجاز المرسل من حيث أن المسند والمسند إليه فيه مستعملان فى حقيقتهما وفقط أسند الفعل إلى غير فاعله الحقيقى وهو ضمير الطاغوت
(٤) فيه استعارة بالكناية بأن يقال شبهت النار بدار لها أصحاب واستعير لفظ المشبه به للمشبه وحذف ورمز إليه بشيئ من لوازمه وهو أصحاب واثباته للنار تخييل
(٥) ففيه استعارة تصريحية أصلية بتشبيه الكفر بالظلمات واستعير لفظها له وكذا يقال فى إطلاق النور على الإيمان
(٦) ضابطه عند البيانيين أن يكون جملتان ثانيتهما جواب عن سؤال مقدر بينهما نشأ عن الأولى ففى الآية كأن سائلاً قال بعد قوله ولى الذين آمنوا ماذا يعمل الله لهم بولايته فأجيب يخرجهم إلخ..
(٧) الطاغوت يطلق على المفرد والجمع بلفظ واحد لأنه فى الأصل مصدر كالطغيان فهو نظير رجال عدل ويجمع أيضاً على طواغيت ونحو رجال عدل فيه مذاهب
أحدها أنه بولغ فيهم حتى كأنهم نفس العدل
ثانيهما أنه على حذف المضاف واعطاء المضاف إليه حكمه من الإعراب والتقدير ذوو عدل فهو مجاز الحذف نحو واسأل القرية أى أهلها
ثالثهما أن عدل بمعنى عادلون ففيه مجاز مرسل علاقته التعلق الاشتقاقي أى التعلق الخاص الحاصل بين المصدر والمشتقات كما هنا أو بين المشتقات وبعضها كما فى إطلاق اسم الفاعل على اسم المفعول أو العكس مثلاً