المتقون يدركون أن الخير هو قوام هذه الدعوة (١)
إن المتقين يدركون أن الخير هو قوام هذه الدعوة، وقوام ما أنزل ربهم من أمر ونهي وتوجيه وتشريع.
فيلخصون الأمر كله في كلمة :«قالُوا : خَيْراً» ثم يفصلون هذا الخير حسبما علموا مما أنزل اللّه :«لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ» حياة حسنة ومتعة حسنة، ومكانة حسنة. «وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ» من هذه الدار الدنيا «وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ».. ثم يفصل ما أجمل. عن هذه الدار. فإذا هي «جَنَّاتُ عَدْنٍ» للإقامة «تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ» رخاء. «لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ» فلا حرمان ولا كد، ولا حدود للرزق كما هي الحياة الدنيا..
«كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ».
ثم يعود السياق خطوة بالمتقين كما عاد من قبلهم خطوة بالمستكبرين. فإذا هم في مشهد الاحتضار وهو مشهد هين لين كريم :«الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ» طيبة نفوسهم بلقاء اللّه، معافين من الكرب وعذاب الموت. «يَقُولُونَ : سَلامٌ عَلَيْكُمْ» طمأنة لقلوبهم وترحيبا بقدومهم «ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» تعجيلا لهم بالبشرى، وهم على عتاب الآخرة، جزاء وفاقا على ما كانوا يعملون.
وفي ظل هذا المشهد بشقيه. مشهد الاحتضار ومشهد البعث. يعقب السياق بسؤال عن المشركين من قريش :
ماذا ينتظرون؟ أينتظرون الملائكة فتتوفاهم؟ أم ينتظرون أمر اللّه فيبعثهم. وهذا ما ينتظرهم عند الوفاة، وما ينتظرهم يوم يبعثهم اللّه! أوليس في مصير المكذبين قبلهم وقد شهدوه ممثلا في ذينك المشهدين عبرة وغناء :«هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ؟ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ، وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ. فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا، وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ».. وعجيب أمر الناس. فإنهم يرون ما حل بمن قبلهم ممن يسلكون طريقهم، ثم يظلون سادرين في الطريق غير متصورين أن ما أصاب غيرهم يمكن أن يصيبهم، وغير مدركين أن سنة اللّه تمضي وفق ناموس مرسوم، وأن المقدمات تعطي دائما نتائجها، وأن الأعمال تلقى دائما جزاءها، وأن سنة اللّه لن تحابيهم ولن تتوقف إزاءهم، ولن تحيد عن طريقهم.
َ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٤ / ٢١٦٩)


الصفحة التالية
Icon