وفي حديث غزوة حنين لما انكشف المسلمون قال النبي ﷺ للعباس اصرخ يا معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة فلعل الأنصار كانوا قد عكفوا على حفظ ما نزل من سورة البقرة لأنها أول السور النازلة بالمدينة، وفي أحكام القرآن لابن العربي عن ابن وهب عن مالك كان شعارهم يوم حنين يا أصحاب سورة البقرة.
وقد ذكر النحويون في الوقف على تاء التأنيث هاء أن رجلا نادى: يا أهل سورة البقرة بإثبات التاء في الوقف وهي لغة، فأجابه مجيب ما أحفظ منها ولا آية محاكاة للغته.
المقدمة التاسعة : في أن المعاني التي تتحملها جمل القرآن، تعتبر مرادة بها
إن العرب أمة جبلت على ذكاء القرائح وفطنة الأفهام، فعلى دعامة فطنتهم وذكائهم أقيمت أساليب كلامهم، وبخاصة كلام بلغائهم، ولذلك كان الإيجاز عمود بلاغتهم لاعتماد المتكلمين على أفهام السامعين كما يقال لمحة دالة. لأجل ذلك كثر في كلامهم: المجاز، والاستعارة، والتمثيل، والكناية، والتعريض، والاشتراك والتسامح في الاستعمال كالمبالغة، والاستطراد ومستتبعات التراكيب، والأمثال، والتلميح، والتمليح، واستعمال الجملة الخبرية في غير إفادة النسبة الخبرية، واستعمال الاستفهام في التقرير أو الإنكار، ونحو ذلك.
وملاك ذلك كله توفير المعاني، وأداء ما في نفس المتكلم بأوضح عبارة وأخصرها ليسهل اعتلاقها بالأذهان؛ وإذ قد كان القرآن وحيا من العلام سبحانه وقد أراد أن يجعله آية على صدق رسوله وتحدى بلغاء العرب بمعارضة أقصر سورة منه كما سيأتي في المقدمة العاشرة، فقد نسج نظمه نسجا بالغا منتهى ما تسمح به اللغة العربية من الدقائق واللطائف لفظا ومعنى بما يفي بأقصى ما يراد بلاغة إلى المرسل إليهم.


الصفحة التالية
Icon