قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَـانَهُ ﴾ ؛ نزلت في يهودِ المدينة حيث قالوا : عُزَيْرٌ ابن الله، وفي نصارى نجران حيث قالوا : المسيحُ ابن الله، وفي مشركي العرب حيث قالوا : الملائكةُ بنات الله. وقوله :﴿ سُبْحَـانَهُ ﴾ تنْزيهاً نَزَّهَ نفسَهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَـاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ ؛ عبيدٌ وملكٌ ؛ أي مَن كان مالِكَ السموات والأرض ؛ فإن الأشياءَ تضافُ إليه من جهة المِلك. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ﴾ ؛ أي مطعيون.
وهذا تأويلٌ لا يستغرق الكلَّ، فيكون لفظ عمومٍ أريدَ به الخصوص. ثم سَلَكُوا في تخصيصه طريقين ؛ أحدُهما : راجعٌ إلى عُزير والمسيح والملائكة، وهذا قولُ مقاتل. والطريق الثَّاني : راجعٌ إلى أهل طاعتهِ دون الناس أجمعين، وهذا قولُ ابنِ عباس والفرَّاء. وقال بعضهم : هو عامٌّ في جميعِ الخلق.
ثُمَّ سَلَكوا في الكفار طريقين ؛ أحدُهما : أن ظِلالَهُم تسجدُ لله وتطيعه ؛ وهو قولُ مجاهد ؛ ودليل قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ ﴾[النحل : ٤٨]، وقال تعالى :﴿ وَظِلالُهُم ﴾[الرعد : ١٥]. والثَّاني : قالوا : هذا في القيامةِ، قاله السديُّ ؛ وتصديقهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ﴾[طه : ١١١]. وقال عكرمةُ ومقاتلُ :(مَعْنَى الآيَةِ : كُلٌّ لَهُ مُقِرُّونَ بالْعُبُودِيَّةِ). وقال ابن كيسان :(قَائِمُونَ بالشَّهَادَةِ، وَأَصْلُ الْقُنُوتِ الْقِيَامُ). وقيل : مُصلُّون ؛ دليلهُ :﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ الَّيلِ ﴾[الزمر : ٩]. وقيل : دَاعُونَ، ويسمَّى دعاءُ الوِتْرِ : قنوتٌ، الآية يدعو قائماً.


الصفحة التالية
Icon