﴿ الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾، قال ابنُ عبَّاس معناه :(أَنا اللهُ أعْلَمُ)، ويقال : هو قَسَمٌ أقْسَمَ اللهُ بأنه واحدٌ لا شريكَ له ولا معبودَ للخلقِ سواهُ، وقد تقدَّم تفسيرُ الحروف المقطَّعة في أولِ سورة البقرَة.
قال أنسُ رضي الله عنه :" نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي وَفْدِ نَجْرَانَ وَكَانُوا سِتِّينَ رَاكِباً قَدِمُواْ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَفِيْهِمْ أرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ أشْرَافِهِمْ، وَفِي الأرْبَعَةَ عَشَرَ ثلاَثَةٌ يَؤُولُ أمْرُهُمْ إلَيْهِمْ : الْعَاقِبُ أمِيْرُ الْجَيْشِ وَصَاحِبُ مَشُورَتِهِمْ الَّذِيْ لاَ يَصْدُرُونَ إلاّ عَنْ رَأْيهِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَسِيْحِ، وَالثَّانِي : اسْمُهُ الأَيْهَمُ صَاحِبُ رَحْلِهِمْ، وَأبُو حَارثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ إمَامُهُمْ وَصَاحِبُ مَدَارسِهِمْ، وَكَانَ قَدْ دَرَسَ كُتُبَهُمْ حَتَّى حَسُنَ عِلْمُهُ فِيْهِمْ فِي دِيْنِهِمْ.
فَدَخَلُواْ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي مَسْجِدِهِ وَقْتَ صَلاَةِ الْعَصْرِ وَعَلَيْهمْ ثِيَابُ الْحِبَرَاتِ ؛ جُبَبٌ وَأرْدِيَةٌ، فَقَامُواْ وَأقْبَلُواْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَتَوَجَّهُواْ إلى نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ، فَقَالَ ﷺ لِلْعَاقِب وَالأَيْهَمِ :" أسْلِمَا ". فَقَالاَ : قَدْ أسْلَمْنَا قَبْلَكَ، فَقَالَ :" كَذَبْتُمَا، يَمْنَعُكُمَا عَنِ الإسْلاَمِ دَعْوَاكُمَا للهِ وَلَداً وَعِبَادَتِكُمَا الصَّلِيْبَ وأكْلِكُمَا الْخِنْزِيْرَ " قَالاَ : فَإنْ لَمْ يَكُنْ وَلَداً للهِ فَمَنْ أبُوهُ ؟ وَخَاصَمُوهُ جَمِيْعاً فِي عِيْسَى عليه السلام، فَقَالَ ﷺ :" ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّهُ لاَ يَكُونُ وَلَداً إلاَّ وَهُوَ يُشْبهُ أبَاهُ ؟ " قَالُواْ : بَلَى، قَالَ :" ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ رَبَّنَا حَيٌّ لاَ يَمُوتُ، وَأنَّ عِيْسَى يَأْتِي عَلَيْهِ الْفَنَاءُ ؟ " قَالُواْ : بَلَى، قال :" ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ رَبَّنَا قَيِّمٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يَحْفَظُهُ وَيَرْزُقُهُ ؟ " قَالُواْ : بَلَى، قَالَ :" فَهَلْ يَمْلِكُ عِيْسَى مِنْ ذلِكَ شَيْئاً ؟ " قَالُواْ : لا، قَالَ :" ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ ؟ " قَالُواْ : بَلَى، قَالَ :" فَهَلْ يَعْلَمُ عِيْسَى مِنْ ذلِكَ شَيْئاً غَيْرَ مَا عَلَّمَهُ اللهُ ؟ " قَالُواْ : لاَ، قَالَ :" فَإنَّ رَبَّنَا صَوَّرَ عِيْسَى فِي الرَّحِمِ كَيْفَ شَاءَ، وَرَبُّنَا لاَ يَأْكُلُ وَلاَ يَشْرَبُ وَلاَ يُحْدِثُ، ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ ذلِكَ ؟ " قَالُواْ : بَلَى، قَالَ :" ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ عِيْسَى حَمَلَتْهُ أمُّهُ كَمَا تَحْمِلُ النَّاسَ الْمَرْأةُ، ثُمَّ وَضَعَتْهُ كَمَا تَضَعُ الْمَرْأَةُ، ثُمَّ غُذِّيَ كَمَا يُغَذى الصَّبيُّ، فَكَانَ يَطْعَمُ وَيَشْرَبُ وَيُحْدِثُ ؟ " قَالُواْ : بَلَى، قَالَ :" فَكَيْفَ يَكونُ هذا كَمَا زَعَمْتُمْ ؟ " فَسَكَتُواْ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيْهِمْ أوَّلَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ إلى بضْعٍ وَثَمَانِيْنَ آيَةً فِيْهَا "
فقالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ الحيُّ : هو الدائمُ الذي لا ندَّ لهُ، الذي لا يَموت ولا يزولُ، والقيُّومُ : القائمُ على كلِّ نفسٍ بما كسبَت.
وأكثرُ القُرَّاء على فتحِ الميم من (الم) وللفتحِ وجهَانِ ؛ أحدُهما : أنهُ لَمَّا كانت الميمُ بعدَ ياء ساكنة استثقلوا فيها السكونَ فحرَّكوها إلى الفَتحِ ؛ لأنَّ ذلك أخفُّ نَحْوُ : أيْنَ وكَيْفَ. والثانِي : أنهُ أُلْقِيَ عليها فتحةُ الهمزةِ من ألفِ (الله) وهذا جائزٌ في الهجاء وإنْ كان لا يجوزُ مثله في الكلامِ الموصول من حيثُ إنَّ حروفَ الهجاء مبنيةٌ على الوقفِ، ومَن قرأ بتسكين الميمِ فعلى أصلِ حروف الهجاء أنَّها مبنيةٌ على الوقوفِ والسكون.