قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَآ أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً ﴾ ؛ قالَ السُّدِّيُّ :(ارْتَحَلَ أبُو سُفْيَانَ وَالْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ مُتَوَجِّهِيْنَ نَحْوَ مَكَّةَ، فَلَمَّا بَلَغُواْ بَعْضَ الطَّرِيْقِ نَدِمُوا ؛ وَقَالُواْ : بئْسَ مَا صَنَعْنَا ؛ قَتَلْنَاهُمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلاَّ الْيَسِيْرَ ثُمَّ تَرَكْنَاهُمْ، ارْجِعُواْ فَاسْتَأْصِلُوهُمْ. فَلَمَّا عَزَمُواْ عَلَى ذلِكَ ؛ ألْقَى اللهُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ حَتَّى رَجَعُواْ عَمَّا هَمُّوا بهِ - وستأتِي هذه القصةُ بتمامها إنْ شاءَ اللهُ تعالى - فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ).
وقرأ أبو أيُّوب :(سَيُلْقِي) بالياء يعني (اللهُ مَوْلاَكُمْ). وقرأ الباقون بالنُّون على التَّعظِيْمِ ؛ أي سَنَقْذِفُ في قلوب الذين كفروُا الخوفَ، وَثَقَّلَ (الرُّعْبَ) ابن عامرٍ والكسائيُّ، وخفَّفه الآخرون. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ بِمَآ أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ ﴾ بإشراكِهم بالله ما لَمْ يُنَزِّلْ به كتاباً فيه عذرٌ وحجَّةٌ لَهم. وقيل : معنى قولهِ ﴿ سُلْطَاناً ﴾ أي حُجَّةً وبيَاناً وبُرهَاناً.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ﴾ ؛ أي مصيرُهم في الآخرةِ النارُ، وبئس مقامُ الظالمين النارَ في الآخرةِ. وروي في الخبر :" أنَّ أبَا سُفْيَانَ صَعَدَ الْجَبَلَ يَوْمَ أُحُدٍ ؛ فَقَالَ ﷺ :" اللَّهُمَّ إنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أنْ يَعْلُونَا " فَمَكَثَ أبُو سُفْيَانَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ : أيْنَ ابنُ أبي قُحَافَةَ ؟ أيْنَ ابْنُ الْخَطَّاب ؟ أيْنَ مُحَمَّدٌ ؟ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه : هَذا رَسُولُ الله ﷺ، وَهَذا أبُو بَكْرٍ، وَهَا أنَا عُمَرُ، فَقَالَ أبُو سُفْيَانَ : نَشَدْتُكَ اللهَ يَا ابْنَ الْخَطَّاب ؛ أمُحَمَّدٌ فِي الأَحْيَاءِ ؟ قَالَ : إيْ وَاللهِ يَسمَعُ كَلاَمَكَ، فَقَالَ : أيْنَ الْمَوْعِدُ ؟ يَعْنِي أيْنَ نُحَاربُ بَعْدَ هَذا ؟ فَقَالَ ﷺ :" قُلْ : ببَدْرٍ الصُّغْرَى " وَكَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ الصُّغْرَى بَعْدَ أحُدٍ بسَنَةٍ، فَخَرَجَ النَّبيُّ ﷺ لِبَدْر الصُّغْرَى عَلَى الْمَوْعِدِ، وَرُعِبَ الْمُشْرِكُونَ فَلَمْ يَتَجَاسَرُواْ عَلَى الْحُضُور.
وروي أنَّ أبَا سُفْيَانَ رَكِبَ الْجَبَلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ : أعْلُ هُبَلَ ؛ أعْلُ هُبَلَ! فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه : اللهُ أعْلاَ وَأجَلُّ، فَقَالَ أبُو سُفْيَانَ : يَوْمٌ بيَوْمٍ ؛ وإنَّ الأَيَّامَ دُوَلَةٌ وَالْحَرْبَ سِجَالٌ، فَقَالَ عُمَرُ : لاَ سَواءٌ قَتْلاَنَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلاَكُمْ فِي النَّارِ.


الصفحة التالية
Icon