قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ﴾ ؛ أي أوفوا بالعقود التي كَتَبَهَ اللهُ عليكم مِما أحلَّه لكم حرَّمَه عليكُم، وَقِيْلَ : معناهُ : أتِمُّوا العهودَ التي بينكم وبين المشركينَ ولا تنقُضُوها حتى يكونَ النّّقْضُ من قِبَلِهِمْ، هكذا رويَ عن ابنِ عبَّاس والضحَّاك وقتادةَ. وقال الحسنُ :(مَعْنَاهُ أوْفُوا بعُقُودِ الدِّيْنِ ؛ يَعْنِي أوَامِرَ اللهِ وَنَوَاهِيْهِ). وَقِيْلَ : معناهُ : أوفُوا بكُلِّ عَقْدٍ تعقدونَهُ على أنفسِكم من نَذْرٍ أو يَمينٍ. وَقِيْلَ : أوْفُوا بالعقودِ التي يعقِدهَا بعضُكم بعضُكم لبعضٍ، نحوَ عَقْدِ البيعِ والإجارَةِ والنِّكاحِ والشَّرْكةِ، ولا تنافِي بينَ هذه الأقوالِ ؛ إذ كلُّ هذه العقود يجبُ الوفاءُ بها.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ ﴾ ؛ أي رُخِّصَتْ لكم الأنعامُ نفسُها، وأضافَ البهيمةَ إلى الأنعامِ، كما يقالُ : مسجدُ الجامِعِ ؛ ونفسُ الإنسان. والأنْعَامُ : هِيَ الإبلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، ودخل في هذه الآية إباحةُ الظِّبَاءِ وبَقَرِ الْوَحْشِ وحمار الوحشِ ؛ لأنَّها أبْهَمُ في التَّمْيَيُّزِ من الأَهْلِيَّةِ، ولِهذا استثنَى اللهُ الصيدَ في حالةِ الإحرام في قولهِ تعالى :﴿ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾. والبهيمةُ في اللغة يتناولُ كلَّ حَيٍّ لا يُميِّزُ، اسْتَبْهَمَ عليه الجوابُ ؛ أي اسْتَغْلَقَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ ؛ أي إلاَّ ما يُقْرَأُ عليكم في القُرْآنِ مِمَّا حُرِّمَ عليكم في هذه السورة من الْمِيْتَةِ والدَّمِ ولحمِ الخنْزيرِ والموقُوذةُ والمتَردِّيَةُ والنَّطيحَةُ الايَةُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ ﴾ ؛ نُصِبَ على الحالِ من الكافِ والميم التي في قولهِ :﴿ أُحِلَّتْ لَكُمْ ﴾ كما يقالُ : جاءَ زيدٌ راكباً ؛ وجاءَ غيرُ راكبٍ. والمعنى : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيْمَةُ الأنَعَامِ غَيْرَ مُحِلبِّي الصَّيْدِ ؛ أي من أنْ تَسْتَحِلُّوا قتلَ الصَّيدِ وأنتُم مُحْرِمُونَ. وَقِيْلَ : نُصِبَ على الحالِ من قوله ﴿ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ﴾ أي أوْفُوا بالمعقُودِ غيرِ مُحِلِّي الصَّيْدِ، هذا قولُ الأخفشِ، والأوَّلُ قولُ الكسائيِّ.
ومعنى الآيةِ : أُحِلَّتْ لكمُ الأنعامُ إلاَّ ما كان وَحْشِياً، فإنَّهُ صَيْدٌ لا يحلُّ لكم إذا كنتم مُحْرِمِيْنَ، فذلكَ قولهُ :﴿ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ﴾ ؛ أي يقضِي على عبادهِ بما شاءَ من التحليل والتحريْمِ على ما تُوجِبُهُ الحكمةُ.


الصفحة التالية
Icon