قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾ ؛ قال كعبُ الأحبار : وأولَّ مفتاحِ التوراة (الحمدُ لله الذي خلقَ السمواتِ والأرضَ)، وخاتِمتُها خاتِمة سورة هُود﴿ وَللَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾[هود : ١٢٤]. قال مقاتلُ :(قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبيِّ ﷺ : مَنْ رَبُّكَ ؟ قََالَ :﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾ فَكَذَبُوهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى حَامِداً نَفْسَهُ دَالاً عَلَى تَوْحِيْدِهِ :﴿ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾ أي خلقَ السَّموات بما فيها من الشَّمسِ والقمر والنجومِ، والأرضَ بما فيها من البَرِّ والبحر ؛ والسَّهلِ والجبل ؛ والنَّباتِ والشجَر، خلقَ السموات وما فيها في يومين ؛ يومِ الأحدِ ويوم الاثنين ؛ وخلقَ الأرضَ وما فيها في يومين ؛ يومِ الثلاثاء ويوم الأربعاء.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴾ ؛ قال السديُّ :(ظُلْمَةَ اللَّيْلِ وَنُورَ النَّهَار). وقال الواقديُّ :(كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّور فَهُوَ الْكُفْرُ وَالإيْمَانُ ؛ إلاَّ فِي هَذِهِ الآيَةِ فَإِنَّهُ يُرِيْدُ بهِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ). قال قتادةُ :(يَعْنِي الْجَنَّةَ وَالنَّارَ). وقال الحسنُ :(يَعْنِي الْكُفْرَ وَالإيْمَانَ).
وقيل : خلقَ الليلَ والنهار لمصالحِ العباد ؛ يستريحون باللَّيل ويبصرون معايشَهم بالنهار. وإنَّما جَمَعَ (الظُّلُمَاتِ) ووحَّدَ (النُّورَ) لأن النورَ يتعدَّى، والظلمةَ لا تتعدَّى.
وقال أهلُ المعانِي :(جَعَلَ) ها هنا صلةٌ ؛ والعربُ تزيد (جَعَلَ) في الكلامِ كقول الشاعرِ : وَقَدْ جَعَلْتُ أَرَى الاتْنَيْنَ أرْبَعَةً وَالْوَاحِدَ اثْنَيْنِ لَمَّا هَدَّنِي الْكِبَرُوتقديرُ الآية :﴿ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾ والظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ. وقيلَ : معناهُ :(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) ؛ لأنه خَلَقَ الظلمةَ والنورَ قبل السمواتِ والأرض. وقال قتادةُ :(خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ قَبْلَ الأَرْضَ، وَالظُّلْمَةَ قَبْلَ النُّور، وَالْجَنَّةَ قَبْلَ النَّار).
وقال وهبُ :(أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ مَكَاناً مُظْلِماً، ثُمَّ خَلَقَ جَوْهَرَةً فَأَضَاءَتْ ذلِكَ الْمَكَانَ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الْجَوْهَرَةِ نَظَرَ الْهَيْبَةِ، فَصَارَتْ مَاءً وَارْتَفَعَ بُخَارُهَا وَنبَذ زَبَدُهَا، فَخَلَقَ مِنَ الْبُخَار السَّمَواتِ ؛ وَمِنَ الزَّبَدِ الأرْضِيْنَ).
قَوْلُهُ عَزَّ وَجََلَّ :﴿ ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ ؛ أي (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بَعْدَ هذا البيان (برَبهِمْ يَعْدِلُونَ) الأوثانَ ؛ أي يُشْرِكُونَ. وقيل : معناهُ :(يَعْدِلُونَ) أي يجعلون لله عَدِيْلاً ويعبدون الحجارةَ والأموات ؛ وهم يُقِرُّونَ بأنَّ اللهَ خالقُ هذه الأشياءِ، فالأصنامُ لاَ تَعْقِلُ شيئاً من ذلك.


الصفحة التالية
Icon