وقوله عَزَّ وَجَلَّ :﴿ وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـاذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـاذَا لِشُرَكَآئِنَا ﴾ ؛ قال ابنُ عبَّاس :(وَذلِكَ أنَّ أهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُواْ إذا حَرَثُوا حَرْثاً ؛ جَعَلُوا للهِ خَطّاً ؛ وَقَالُواْ : مَا دُونَ هَذا الْخَطِّ لآلِهَتِنَا يُنْفَقُ عَلَيْهَا وَعَلَى خُدَّامِ الأصْنَامِ، وَمَا وَرَاءَ هَذا الْخَطِّ لله يُتَصَدَّقُ بهِ عَلَى أهْلِ الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَالسَّائِلِيْنَ.
وَكَانُوا إذا أرْسَلُواْ الَْمَاءَ فِيْمَا سَمَّوْهُ للهِ تَعَالَى، فَانْفَجَرَ مِنْهُ إلَى الَّذِي جَعَلُوهُ لآلِهَتِهِمْ تَرَكُوهُ ؛ وَقَالُواْ : هَذا أحْوَجُ وَاللهُ غَنِيٌّ عَنْهُ، وَإذا انْفَجَرَ مِنَ الَّذِي جَعَلُوهُ لأَصْنَامِهِمْ ؛ رَدُّوهُ وَقَالُواْ : لَيْسَ لآلِهَتِنَا بُدُّ مِنَ النَّفَقَّةِ. وَكَانُواْ إذا هَلَكَ الَّذِي لآلِهَتِهِمْ : وَكَثُرَ الَّذِي للهِ ؛ أخَذُوا الَّذِي للهِ وَأَنْفَقُوهُ عَلَى الأَصْنَامِ، وَإذا هَلَكَ الَّذِي للهِ ؛ وَكَثُرَ الَّذِي لِلأَصْنَامِ قَالُواْ : لَوْ شَاءَ اللهُ لأَزْكَى الَّذِي لِهُ).
ومعنى الآية : وجعلَ المشركون مِن أهلِ مكَّة لله مَِّا خَلَقَ من الزَّرْعِ والأنعامِ نَصِيْباً. وللأصْنَامِ نَصِيْباً فقالُوا : هذا نصيبُ اللهِ بقولِهم، ولم يأمرْهُم اللهُ تعالى بذلك، وهذا نصيبُ الآخر لآلِهتنَا. وفي الايةِ إضمارٌ تقديرهُ : وَجَعَلُواْ للهِ نَصِيْباً ولشركائِهم نَصِيْباً. وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ بِزَعْمِهِمْ ﴾ قرأ السلميُّ والأعمشُ والكسائيُّ بضمِّ الراء، والباقون بفتحِها، وُهما لُغتان.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ﴾ ؛ أي ما كان مِن نصيب آلِهتهم فلا يرجعُ إلى الذي جعلوهُ للهِ، ﴿ وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ ﴾ ؛ أي يرجعُ إلى الذي جَعَلُوهُ لشركائِهم، ﴿ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ ؛ أي بئْسَ ما يَقْضُونَ ؛ يُوَفُّونَ نَصِيْبَ الأصنامِ ويُنْقِصُونَ نصيبَ الرَّحْمَنِ، فَبئْْسَ الحكمُ حكمُهم في الإشراكِ وبالقسمةِ. وكانوا يفعلونَ بالأنعامِ الثمانيةِ أزواجٍ ونحوِها كذلكَ.