قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ ﴾ ؛ من القِبْطِ :﴿ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ ﴾ ؛ أي أتَتْرُكُهُمْ ليغيِّرُوا عليك دينَك في أرضِ مِصْرَ ويدعُو الناس إلى مُخَالَفَتِكَ ؛ فينتقضَ بذلك أمرُكَ ومِلكُكَ ؛ ﴿ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ﴾ ؛ أي يَدَعَكَ ولا يعبدَكَ ؛ ويدعَ أصنامَكَ التي أمَرْتَ بعبادتِها.
قال الحسنُ :(كَأنَ فِرْعَوْنُ يَسْتَعْبُدُ النَّاسَ وَيَعْبُدُ الأَصْنَامَ بِنَفْسِه). وقالَ السُّدِّيُّ :(كَانَ يَعْبُدُ هُوَ مَا اسْتَحْسٍَنَ مِنَ الْبَقَرِ، وَمِنْهُ أخَذ السَّامِرِيُّ عِبَادَةَ الْبَقَرِ).
وَقٍيْلَ : كان فرعونُ قد صَنعَ أصناماً صِغَاراً، وأمرَ قومَه بعبادتِها، وقالَ : أنا رَبُّ هذهِ الأصْنَامِ الأعْلَى، وهم أربَابُكم.
وقرأ الحسن :(وَمَا تَنقَمُ) بفتحِ القَافِ لُغتانِ، قال الضَّحاكُ :(مَعْنَاهُ : وَمَا تَطْغَى عَلَيْنَا). وقال عطاءُ :(مَا لَنَا عِنْدَكَ مِنْ ذنْبٍ تُعَذِّبُنَا عَلَيْهِ إلاَّ أنْ آمَنَّا بآيَاتِ رَبنَا). وقرأ الحسنُ :(وَيَذرُكَ) بالرَّفعِ عطفاً على (أتَذرُ). وقرأ ابنُ مسعودٍ وابنُ عبَّاسٍ والضحَّاك :(وَآلِهَتُكَ) أي عبادَتُك، فلا يعبدُك.
وَقِيْلَ : أرادَ بالآلِهَةِ الشَّمٍْسُ، وكان فرعونُ وقومُه يعبدونَها. وقال ابنُ عبَّاس :(كَأنَ لِفَرْعَوْنَ بَقَرَةٌ يَعْبُدُهَا، وَكَانُوا إذا رَأوْا بَقَرَةً حَسْنَاءَ أمَرَهُمْ أنْ يَعْبُدُوهَا، فَكَذلِكَ أخْرَجَ لَهُمُ السَّامِريُّ عِجْلاً). ورُويَ : أنه قِيْلَ للحسَنِ : هَلْ كَانَ فِرْعَوْنُ يَعْبُدُ شَيْئاً ؟ قَالَ :(نَعَمْ ؛ كَانَ يَعْبُد تَيْساً).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ ﴾ ؛ أي قال فرعونُ : سنعودُ إلى قَتْلِ ابنائِهِم واستخدام نسائِهم عقوبةً لهُ كما كُنَّا نفعلُ وقتَ ولادِ مُوسَى. وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ ؛ أي مُسْتَعْلُونَ عليهم بالقُوَّةِ.
فَشَكَتْ بَنُو إسرائيلَ إلى موسَى فـ، ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ ﴾ أي استيعنُوا باللهِ على دفعِ بلاء فرعونَ عنكم، واصبرُوا على دِينكم، ﴿ إِنَّ الأَرْضَ ﴾ ؛ التي أنتُمْ فيها ؛ ﴿ للَّهِ يُورِثُهَا ﴾ ؛ أي يُسْكِنُهَا، ﴿ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ ؛ فيورثُكم هذه الأرضَ بعد إهلاكِ فرعون وقومهِ، ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ ؛ أي آخرُ الأمرِ للذين يَتَّقُونَ اللهَ. وَقِيْلَ : أرادَ بالعاقبةِ الجنةَ في الآخرة. وَقِيْلَ : النصرَ والظَّفْرَ. وَقِيْلَ : السعادة والشهادةَ.


الصفحة التالية
Icon