﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ ﴾ ؛ أي عن الغَنَائِم، ﴿ قُلِ الأَنفَالُ ﴾ ؛ الغنائمُ ؛ ﴿ للَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ ؛ الإضافةُ للغنائمِ إلى اللهِ على جهة التشريفِ، والإضافةُ إلى الرسولِ لأنه كان بيانُ حُكمِها وتدبيرها إليه ؛ لأن الغنائمَ كانت كلُّها لهُ كما قال ﷺ في وبَرَةٍ أخَذهَا سِنَامَ بَعِيرٍ مِنَ الْفَيْءِ :" وَاللهِ مَا يَحِلُّ لِي مِنْ فَيْئِكُمْ إلاَّ الْخُمْسُ، وَالْخُمْسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ ".
وَقِيْلَ : لِما سألوه عن الغنائمِ ؛ لأنَّها كانت حرَاماً على مَن قبلهم، كما قال عليه السلام :" لَمْ تُحَلَّ الْغَنَائِمُ لِقَوْمٍ سُودِ الرُّؤُوسِ قَبْلَكُمْ، كَانَتْ تَنْزِلُ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتَأْكُلُهَا " وإنما سُميت الغنائمُ أنْفَالاً ؛ لأن الأنفالَ جمعُ النَّفْلِ، والنفلُ الزِّيَادَةُ، والأنفالُ مما زادَهُ الله هذه الأُمة من الحلالِ، والنافلةُ من الصَّلاةِ ما زادَ على الفرضِ، ويقال لولدِ الولد : نافلةٌ ؛ لأنه زيادةٌ على الولدِ.
وعن ابنِ عبَّاس في سبب نُزول هذه الآيةِ :(أنَّ النَّبِيّ ﷺ رَغَّبَ أصْحَابَهُ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ :" مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ كَذا، وَمَنْ جَاءَ بأَسيرٍ فَلَهُ كَذا " فَلَمَّا هَزَمَ اللهُ الْمُشْرِكِينَ سَارَعَ الشَّبَابُ، وأَقْبَلُواْ بالأُسَارَى، وَأَقَامَ الشُّيُوخُ عِنْدَ الرَّايَاتِ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَخَافَةَ أنْ يَغْتَالَهُ أحَدٌ مَنَ الْمُشْرِكِينَ، فَوَقَعَ الاخْتِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ، فَقَالَ الَّذِينَ ثَبَتُواْ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ : قِيَامُنَا أفْضَلُ مِنْ ذهَابهِمْ، فَلَوْ أعْطَيْتَهُمْ مَا وَعَدْتَهُمْ لَمْ يَبْقَ لَنَا وَلاَ لِعَامَّةِ أصْحَابكَ شَيْءٌ. وقَالَ الآخَرُونَ : نَحْنُ قَتَلْنَا وَأَسْرْنَا. وَكَانَ ذلِكَ مُرَاجَعَةً بَيْنَهُمْ وَرَسُولُ اللهِ ﷺ سَاكِتٌ لاَ يَقُولُ شَيْئاً، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ).
ومعناها يسألونَك عن الأنفال لِمَن هي، ويجوز أن يكون (عن) صِلَةً في الكلامِ، والمعنى يَسألونَكَ الأنفالَ التي وعدتَهم يومَ بدرٍ، قلِ الأنفالُ للهِ والرسولِ ليس لكم فيها شيءٌ. قال عُبادة بن الصَّامت :(لَمَّا اخْتَلَفْنَا فِي غَنَائِمِ بَدْرٍ وَسَاءَتْ أخْلاَقُنَا، نَزَعَهَا اللهُ مِنْ أيْدِينَا وَجَعَلَهَا إلَى رَسُولِهِ وَقَسْمَهَا بَيْنَنَا عَلَى سواءٍ). وَقِيٍْلَ : إنَّ التَّنْفِيلَ المذكورَ في هذه الآيةِ لروايةٍ غَلَطٍ وقعَ من الرَّاوي ؛ لأنه لا يجوزُ على النبيِّ ﷺ خَلْفُ الوَعْدِ واسترجاعُ ما جعلَهُ لأحدٍ منهم، والصحيحُ : أنَّهم اختلَفُوا في الغنائمِ من غير تَنْفِيلٍ كان من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ ﴾ ؛ أي اتَّقُوا مَعاصِيَهُ واحذروا مخالفةَ أمرهِ وأمرَ رسولهِ، (وَأصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) أي كونوا مُجتَمعين على ما يأمرُكم به اللهُ ورسولهُ، ﴿ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ ؛ في الغنائمِ وغيرِها، ﴿ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾، كما تَزعمونَ.


الصفحة التالية
Icon