قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ بَرَآءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ أي هذهِ مِن اللهِ، فيكون رَفعاً على الابتداءِ، ويجوزُ أن يكون (بَرَاءَةٌ) رَفعاً بالابتداءِ، وخبرهُ :﴿ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُ ﴾. والبراءةُ : رفعُ العِصمَةِ، يقالُ : فلانٌ بريءٌ من فلانٍ، وبرِىءَ اللهُ مِنَ المشرِكين. وإنما ذكرَ اللهُ تعالى هذه الآيةَ من العهدِ ؛ لأنَّ المشركين كانوا ينقضُونَ العهدَ قبلَ الأجَلِ، ويُضمِرُونَ الغدْرَ، فأمرَ اللهُ بنَبْذِ العهدِ إليهم، إما بخيانَةٍ مَستُورَةٍ ظهرت أمَارَتُهَا منهم، وإما أن يكون شرطُ النبيِّ عليه السلام لنَقضِهم في العهدِ أنْ يُقِرَّهُم ما أقرَّهم اللهُ.
فأما تركُ البسملةِ في أوَّل هذه السُّورة، فقد رُوي أنَّ أُبَيَّ بن كعبٍ سُئِلَ عن ذلكَ فقال :(لأنَّهَا نَزَلَتْ فِي آخِرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَأْمُرُ أوَّلَ كُلِّ سُورَةٍ (بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَلَمْ يَأْمُرْ فِي سُورَةِ الْبَرَاءَةِ بذَلِكَ، فَضَمَّتْ إلَى الأَنفَالِ لِشَبَهِهَا بهَا) يعنِي أنَّ أمرَ العُهودِ مذكور في الأنفالِ، وهذه السُّورة نزلَتْ بنقضِ العهُودِ. سُئل عليٌّ رضي الله عنه عن هذا فقالَ :(لأَنَّ هَذِهِ السُورَةَ نَزَلَتْ فِي السَّيْفِ، وَلَيْسَ لِلسَّيْفِ أمَانٌ، وَبسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنَ الأَمَانِ، ولأَنَّ الْبَسْمَلَةَ رَحْمَةٌ، وَالرَّحْمَةُ أمَانٌ، وَهَذِهِ السُّورَةِ نَزَلَتْ بالسَّيْفِ وَلاَ أمَانَ فِيْهِ).