قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ ﴾ ؛ أرادَ بالسَّابقِينَ الذين سَبَقوا إلى الإيمان، وهم الذين صَلَّوا إلى القِبلَتَين وشَهِدُوا بَدْراً، وقال الشعبيُّ :(هُمْ الَّذِينَ بَايَعُوا بَيْعَةَ الرَّضْوَانِ بالْحُدَيْبيَةِ)، وَقِيْلَ : همُ الذين أنفَقُوا قبلَ الهجرةِ، كما قَالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ﴾[الحديد : ١٠].
وإنَّما مَدَحَ السابقين لأن السابقَ إمامٌ للتالي، وقولهُ تعالى :﴿ وَالأَنْصَارِ ﴾ عطفٌ على المهاجرين، وقرأ بعضُهم (وَالأنْصَارُ) بالرفعِ عطفاً على السَّابقين، وعن عمر رضي الله عنه :(وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ) بغيرِ الواو، وسمِعَ رجُلاً قرأ (وَالَّذِينَ) بالواوِ فقالَ :(مَنْ أقْرَأكَ هَذِهِ الآيَةَ ؟ قَالَ : أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، قَالَ : لاَ تُفَارقْنِي حَتَّى أذهَبَ بكَ إلَيْهِ، فَلَمَّا أتَاهُ قَالَ لَهُ : يَا أُبَيُّ أقْرَأتَهُ هَذِهِ الآيَةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ، قَالَ عُمَرُ رضي لله عنه : كُنْتُ أظُنُّ أنَّا ارْتَفَعْنَا رفْعَةً لاَ يَبْلُغُهَا أحَدٌ بَعْدَهَا، فَقَالَ أُبَيُّ : تَصْدِيقُ هَذِهِ الآيَةِ أوَّلُ سُورَةِ الْجُمُعَةِ﴿ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ ﴾[الجمعة : ٣] وَأوْسَطُ سُورَةِ الْحَشْرِ﴿ وَالَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ ﴾[الحشر : ١٠].
وقوله تعالى :﴿ بِإحْسَانٍ ﴾ والإحسانُ هو فعلُ الحسَنِ، قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾ ؛ أي رَضِيَ اللهُ عنهم بإحسانِهم، ورَضُوا عنه بالثَّواب والكرامةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ ؛ في هذا الموضعِ بغير (مِنْ) إلا ابنَ كثير فانه يقرأ (مِنْ تَحْتِهَا).