قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ ؛ أي لا تقطَعُوا أمراً دونَ اللهِ ورسولهِ، ولا تعجَلُوا بهِ، وقالت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا في قولهِ ﴿ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ :(أيْ تَصُومُواْ قَبْلَ أنْ يَصُومَ نَبيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم) ﴿ وَاتَّقُواْ اللَّهَ ﴾ ؛ في تَضييعِ حقِّه ومخالفةِ أمرهِ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ ﴾ ؛ لأقوالِكم، ﴿ عَلِيمٌ ﴾ ؛ بأفعالِكم، وقال جابرٍ (نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ فِي النَّهْيِ عَنِ الذبْحِ يَوْمَ الأَضْحَى قَبْلَ الصَّلاَةِ).
وقالت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا :" نَزَلْنَ فِي النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشُّكِّ)، وعن مسروقٍ قالَ :(دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فِي يَوْمِ الشُّكِّ، فَقَالَتْ لِلْجَاريَةِ : اسْقِيهِ، فَقُلْتُ : إنِّي صَائِمٌ، فَقَالَتْ : قَدْ نَهَى اللهُ تَعَالَى عَنْ صَوْمِ هَذا الْيَوْمِ، وَفِيْهِ نَزَلَ ﴿ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾.
وعن الحسنِ البصريِّ قال :(نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي الذبْحِ يَوْمَ الأَضْحَى، كَأَنَّهُ قَالَ : لاَ تَذْبَحُواْ قَبْلَ ذبْحِ النَّبيِّ ﷺ، وَذلِكَ أنَّ نَاساً مِنَ الْمُسْلِمِينَ ذبَحُواْ قَبْلَ صَلاَةِ النَّبيِّ ﷺ : فَأَمَرَهُمْ أنْ يُعِيدُواْ الذبْحَ).
وعن ابنِ عبَّاس رضي الله عنه قال :(سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ :" أنَّ النَّبيَّ ﷺ بَعَثَ رَهْطاً مِنْ أصْحَابهِ وَهُمْ سَبْعٌ وَعُشْرُونَ رَجُلاً، وَأمَّرَ عَلَيْهِمُ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو، وَأمَرَهُمْ أنْ يَسِيرُوا إلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَأنْ يَمُرُّواْ عَلَى بَنِي سُلَيْمٍ، فَبَاتُوا عِنْدَهُمْ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الرَّحِيلِ، أضَلَّ أرْبَعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَعِيراً لَهُمْ، فَاسْتَأْذنُوا الْمُنْذِرَ أنْ يَتَخَلَّفُواْ عَنْهُ حَتَّى يَطْلِبُوهُ، فَأَذِنَ لَهُمْ.
وَسَارَ الْمُنْذِرُ بمَنْ بَقِيَ مَعَهُ، وَكَانَتْ بَنُوا سُلَيْمٍ دَسَّتْ إلَى بَنِي عَامِرِ خَبَرَ أصْحَاب رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَاسْتَعَدُّواْ لِقِتَالِهِمْ وَاجْتَمَعُواْ لَهُمْ، فَسَارَ أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ إلَى بئْرِ مَعُونَةَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالاً شَدِيداً وَقُتِلَ الْمُنْذِرُ وَأصْحَابُهُ، وَقُتِلَ أحَدُ الأَرْبَعَةِ وَرَجَعَ الثَّلاَثَةُ إلَى الْمَدِينَةِ، فَلَقُوا رَجُلَيْنِ خَارجَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالُواْ : مِمَّا أنْتُمَا ؟ فَقَالاَ : مِنْ بَنِي عَامِرٍ، فَقَالُواْ : إنَّهُمَا مِنْ عَدُوِّنَا، فَقَتَلُوهُمَا وَأخُذوْا سَلْبَهُمَا.
وَجَاءُوا إلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَذكَرُوا لَهُ الْقِصَّةَ، فَقَالَ لَهُمْ ﷺ :" بئْسَمَا فَعَلْتُمْ، إنَّهُمَا مِنْ أهْلِ مِيثَاقِي مَنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَهَذا الَّذِي مَعَكُمْ مِنْ سَلْبهِمَا مِنْ كِسْوَتِي ".
وَجَاءَ السُّلَيْمِيُّونَ يَطْلُبُونَ الْقَوَدَ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه سلم :" إنَّ صَاحِبَيْكُمْ اعْتَزَمَا إلَى عَدُوَِّنَا، فَلاَ قَوَدَ فِيهِمَا وَلَكِنَّا نُؤَدِّي إلَيْكُمُ الدِّيَةَ " فَأَمَرَ عليه السلام أنْ تُقْسَمَ دِيَتَهُمَا عَلَى أهْلِ مِيثَاقِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ) ".
والمعنى : لا تُقدِّموا بقولٍ ولا فعلٍ حتى يكون النبيُّ ﷺ هو الذي يأمُركم في ذلك.


الصفحة التالية
Icon