﴿ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ﴾ ؛ قال المفسِّرون : لما بُعِثَ النبيُّ ﷺ وأخبرَهم بتوحيدِ الله والبعثِ بعد الموت، وتلاَ عليهم القرآنَ، جعلوا يتساءَلون بينهم ويقولون : ما نرَى الذي جاءَ به مُحَمَّدٌ ﷺ، وما الذي أتَى به، فأنزلَ اللهُ تعالى هذه الآيةَ.
ومعناها : عن أيِّ شيء يتحدَّثون فيما بينهم، وهذا لفظه لفظُُ اللاستفهامِ، والمعنى تفخيمُ القصة. وأصله عَنْ مَا فأُدغمت النون في الميمِ وحُذفت الألف ؛ لأن العربَ إذا وضَعت (عن ما) في موضعِ الاستفهام حذفت نونَها فرقاً بينهما وبين أنْ تكون اسماً مثلَ قولهِ﴿ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا ﴾[النازعات : ٤٣] و (عَلاَمَ تفعلُ)، بخلافِ قولِهم : سألتُ فلاناً عمَّا فعلَ، لا يجوزُ فيه حذفُ الألفِ ؛ لأن معناها الَّذي، وكذلك إذا كانت (مَا) للصلةِ كقوله تعالى :﴿ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ ﴾[المؤمنون : ٤٠].
قولهُ تعالى :﴿ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ﴾ أي الخبرِ الشَّريف، وهو القرآنُ، فإنه خبرٌ عظيم الشَّأنِ، لأنه يُنبئُ عن التوحيدِ وتصديق الرسول، والخبرُ عمَّا يجوز وما لا يجوزُ، وعن البعثِ والنشور. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ﴾ ؛ يعني أنَّهم اختلَفُوا في القرآنِ، فجعلَهُ بعضُهم سِحراً وبعضهم كهانةً وبعضهم شِعراً، وبعضهم أساطيرَ الأوَّلين.
ثم أوعدَ اللهُ مَن كذب بالقرآنِ فقال تعالى :﴿ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ﴾ ؛ أي ليس الأمر على ما قالوا، سيعلمون عاقبة تكذيبهم حتى تنكشف الأمور، ﴿ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ﴾ وعيدٌ على إثرِ وعيدٍ. وَقِيْلَ : معنى (كَلاَّ) ارتَدِعوا وانزَجِرُوا، فليس الأمرُ على ما تظنُّون، وسيعلَمُ الكفارُ عاقبةَ أمرِهم، ﴿ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ﴾ ؛ أمرَ القيامةِ وأهوالها، وما لَهم من أنواعِ العذاب في النار.