﴿ وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴾ قال ابنُ عبَّاس وقتادةُ :" لَمَّا سَأَلَتِ الْيَهُودُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنِ الرُّوحِ، وَعَنْ ذِي الْقَرْنَينِ، وَأصْحَاب الْكَهْفِ، قَالَ لَهُمْ :" سَأُخْبرُكُمْ غَداً " وَلَمْ يَقُلْ : إنْ شَاءَ اللهُ، فَاحْتَبَسَ الْوَحْيُ عَنْهُ وَأبْطَأَ عَنْهُ جِبْرِيلُ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لِتَرْكِهِ الاسْتِثْنَاءَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُنَافِقُونَ : إنَّ مُحَمَّداً وَدَّعَهُ رَبُّهُ وَقَلاَهُ فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ السُّورَةَ تَكْذِيباً لَهُمْ، وَأقْسَمَ ببَيَاضِ النَّهَار وَسَوَادِ اللَّيْلِ أنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يُوَدِّعْهُ وَلَمْ يُقِلْهُ ".
وفيه إضمارٌ تقديرهُ : ورب الضُّحى وهو النهار كلُّه، وقال بعضُهم : ساعةُ ارتفاعِ الشَّمس على ما هو المعهودُ من الكلامِ. وقولهُ تعالى ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴾ أي إذا أظلمَ، واشتدَّ ظلامهُ حتى يسترَ الأشياءَ كلَّها بالظلامِ، ومنه قولُهم : فلانٌ يُسْجَى بثوبهِ ؛ أي مُغطَّى، ومنه قولُهم : سَجَى قبرَ المرأةِ. وَقِيْلَ : معناهُ : إذا سكَنت الأشياءُ فيه، ومن ذلك : بحرٌ سَاجٍ ؛ أي ساكنٌ، ويقالُ : بلدٌ ساجِية إذا كان أهلُها في سكونٍ، وكذلك طريقٌ ساجٍ ؛ أي آمنٌ، قال الشاعرُ : أنَا ابْنُ عَمِّ اللَّيْلِ وَابْنُ خالِِهِ إذا سَجَى دَخَلْتُ فِي سِرْبَالِهِقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴾ أي ما تركَكَ منذُ اختارَكَ، ولا بغَضَكَ منذ أحبَّكَ، وهذا جوابُ القسَمِ.


الصفحة التالية
Icon