ثم قال ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ فجعل اللفظ واحدا، ثم قال ﴿وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾ فجعل [١٦ب] اللفظ. جميعا، وذلك ان ﴿مَنْ﴾ اللفظ بها لفظ واحد، ويكون جميعا في المعنى، ويكون اثنين. فان لفظت بفعله على معناه فهو صحيح. وان جعلت فعله على لفظه واحدا فهو صحيح [و] مما جاء من ذلك قوله ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ وقال ﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ﴾ وقال ﴿وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ﴾ وقال ﴿وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ﴾ فقال ﴿يَقْنُتْ﴾ فجعله على اللفظ، لان اللفظ في ﴿مَن﴾ مذكر وجعل ﴿تَعْمَلْ﴾ و ﴿نُؤْتِهَآ﴾ على المعنى. وقد قال بعضهم ﴿ويَعْمَلْ﴾ فجعله على اللفظ لان لفظ ﴿مَنْ﴾ مذكر. وقد قال بعضهم ﴿وَمَنْ تَقْنُتْ﴾ فجعله على المعنى لانه يعني امرأة. وهي حجة على من قال: "لا يكون اللفظ في مَن على المعنى الا ان تكون ﴿مَنْ﴾ في معنى ﴿الذي﴾، فاما [في] المجازاة والاستفهام فلا يكون اللفظ في ﴿مَنْ﴾ على المعنى.
وقولهم* هذا خطأ لان هذا الموضع الذي فيه ﴿وَمَنْ تَقْنُتْ﴾ مجازاة. وقد قالت العرب "ما جاءَتْ حاجَتُكَ" فأَنَّثُوا "جاءتْ" لانها لـ"ما"، وانما انثوا لان معنى "ما" هو الحاجة. وقد قالت العرب او بعضُهُم "من كانت أمّكَ" فنصب وقال الشاعر [من الطويل وهو الشاهد التاسع عشر]:
[١٧ء] تَعَشّ فإِنْ عاهدَتنِي لا تخونُني * نَكُنْ مثلَ مَنْ يا ذئبُ يَصطَحِبانِ
ويروى ﴿تَعالَ فإن﴾. وقد جعل ﴿مَنْ﴾ بمنزلة رجل. قال الشاعر [من الرمل وهو الشاهد العشرون]:
رُبَّ مَنْ انضجتُ غيظاً صَدْرَهُ * قد تَمَنَّى لِيَ شَرّاً لم يُطَعْ
فلولا انها نكرة بمنزلة "رجل" لم تقع عليها "ربّ".