آيَاتِنَا} [و] ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ فانتصب الآخر لأنَ الأوّلَ نوى ان يكون بمنزلة الاسم وفي الثاني الواو. وان شئت جزمت على العطف كأنك قلت "ولمّا يعلمِ الصابرين". فان قال قائل: "ولما يَعْلمِ الله الصابرين" ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ﴾ فهو لم يعلمهم؟ قلت بل قد علِم، ولكنّ هذا فيما يذكر أهل التأويل ليبين للناس، كأنه قال "ليَعْلَمَه الناسُ" كما قال ﴿لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً﴾ وهو قد علم ولكن ليبين ذلك. وقد قرأ أقوام أشباه هذا في القرآن ﴿لِيُعْلَم أَيُّ الحزبين﴾ ولا أراهم قرأوه إلاَّ لجهلهم بالوجه الآخر.
ومما جاء بالواو* ﴿وَلاَ تَلْبِسُواْ [٣٠ب] الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ﴾ إنْ شئتَ جعلت ﴿وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ﴾ نصباً اذ نويت ان تجعل الأول اسما فتضمر مع ﴿تَكْتُمُوا﴾ "أَنْ" حتى تكون اسما. وان شئت عطفتها فجعلتها جزما على الفعل الذي قبلها. قال ﴿أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ﴾ فعطف القول على الفعل المجزوم فجزمه. وزعموا انه في قراءة ابن مسعود ﴿وَأَقُولُ لَّكُمآ﴾ على ضمير "أَن" ونوى أَنْ يجعل الأوَّلَ اسما، وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الثامن والثلاثون]:
لقد كان في حَوْلٍ ثَواءٍ ثويته * تَقَضِّي لُباناتٍ وَيَسْأمَ سائِمُ
- ثواءٌ وثواءً او ثواءٍ رفع ونصب وخفض - فنصب على ضمير "أَنْ" لأن التقضي اسم، ومن قال "فَتُقْضى" رفع: "ويسأمُ" لأنه قد عطف على فعل وهذا واجبٌ، وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد التاسع والثلاثون]:
فإِنْ لم أصدِّقْ ظَنَّكُمْ بتَيقُّنٍ * فَلا سَقَتِ الأوْصالَ مِنّي الرّواعِدُ
ويَعلمَ أكفائي من الناسِ أَنَّني * أَنَا الفارسُ الحامي الذمارِ المذاودُ
وقال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الأربعون]:


الصفحة التالية
Icon