فإن يقدِرْ عليكَ أبو قُبَيْسٍ * نَمُطَّ بِكَ المَنِيَّة في هَوانِ
وَتُخْضَبَ لِحيَةٌ غَدَرَتْ وخانتْ * بِأَحْمَرَ من نَجِيعِ الجَوْفِ آنِ
[٣١ء] فنصب هذا كله لأنه نوى أن يكون الأوّل اسما فأضمر بعد الواو "أنْ" حتى يكون اسما مثل الأول فتعطفه عليه. وأما قوله ﴿لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ ﴾ و ﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فهذا على جواب التمني، لأنَّ معناه "لَيْتَ لَنّا كَرَّةً". وقال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الحادي والأربعون]:
فلستُ بمدركٍ ما فاتَ مني * بـ"لهفَ" ولا بـ"ليتَ" ولا "لواني"
فأنزل "لوَاني" بمنزلة "ليْتَ" لان الرجل اذا قال: "لَو أنّي كنتُ فعلتُ كذا وكذا "فانما تريد "ودِدتُ لو كنتُ فَعلْتُ". وإنَّما جازَ ضمير "أَنْ" في غير الواجب لأن غير الواجب يجيء ما بعده على خلاف ما قبله ناقضا له.
فلما حدث فيه خلاف لأوله جاز هذا الضمير. والواجب يكون آخره على أوله نحو قول الله عز وجل ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً﴾ فالمعنى: "إسمعوا أنزلَ اللّهُ من السماءِ ماءً" فهذا خبر واجب و ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ تنبيه. وقد تنصب الواجب في الشعر. قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثاني والأربعون]:
سأترُكُ منزلي لِبني تَميمٍ * وأَلْحَقُ بالحجاز فأستريحا
وهذا لا يكاد يعرف. وهو في الشعر جائز. وقال طرفة [من الطويل وهو الشاهد الثالث والأربعون]:
[٣١ب] لها هَضْبَةٌ لا يَدْخُلُ الذُلُّ وَسْطَها * ويأوى اليها المستجيرُ فيُعْصَما


الصفحة التالية
Icon