﴿١ - ١٩﴾ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى * سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى * إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى * وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى * فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾.
يأمر تعالى بتسبيحه المتضمن لذكره وعبادته، والخضوع لجلاله، والاستكانة لعظمته، وأن يكون تسبيحا، يليق بعظمة الله تعالى، بأن تذكر أسماؤه الحسنى العالية على كل اسم بمعناها الحسن العظيم (١)، وتذكر أفعاله التي منها أنه خلق المخلوقات فسواها، أي: أتقنها وأحسن خلقها، ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ﴾ تقديرًا، تتبعه جميع المقدرات ﴿فَهَدَى﴾ إلى ذلك جميع المخلوقات.
وهذه الهداية العامة، التي مضمونها أنه هدى كل مخلوق لمصلحته، وتذكر فيها نعمه الدنيوية، ولهذا قال فيها: ﴿وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى﴾ أي: أنزل من السماء ماء فأنبت به أنواع (٢) النبات والعشب الكثير، فرتع فيها الناس والبهائم وكل حيوان (٣)، ثم بعد أن -[٩٢١]- استكمل ما قدر له من الشباب، ألوى نباته، وصوح عشبه، ﴿فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى﴾ أي: أسود أي: جعله هشيمًا رميمًا، ويذكر فيها نعمه الدينية، ولهذا امتن الله بأصلها ومنشئها (٤)، وهو القرآن، فقال: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى﴾ أي: سنحفظ ما أوحينا إليك من الكتاب، ونوعيه قلبك، فلا تنسى منه شيئًا، وهذه بشارة كبيرة من الله لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، أن الله سيعلمه علمًا لا ينساه.
﴿إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ مما اقتضت حكمته أن ينسيكه لمصلحة بالغة، ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى﴾ ومن ذلك أنه يعلم ما يصلح عباده أي: فلذلك يشرع ما أراد، ويحكم بما يريد (٥)، ﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾ وهذه أيضًا بشارة كبيرة (٦)، أن الله ييسر رسوله ﷺ لليسرى في جميع أموره، ويجعل شرعه ودينه يسرا (٧).
﴿فَذَكِّرْ﴾ بشرع الله وآياته ﴿إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ أي: ما دامت الذكرى مقبولة، والموعظة مسموعة، سواء حصل من الذكرى جميع المقصود أو بعضه.
ومفهوم الآية أنه إن لم تنفع الذكرى، بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير، لم تكن الذكرى مأمورًا بها، بل منهيًا عنها، فالذكرى ينقسم الناس فيها قسمين: منتفعون وغير منتفعين.
فأما المنتفعون، فقد ذكرهم بقوله: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى﴾ الله تعالى، فإن خشية الله تعالى، وعلمه بأن سيجازيه على أعماله (٨)، توجب للعبد الانكفاف عن المعاصي (٩) والسعي في الخيرات.
وأما غير المنتفعين، فذكرهم بقوله: ﴿وَيَتَجَنَّبُهَا الأشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى﴾ وهي النار الموقدة، التي تطلع على الأفئدة.
﴿ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا﴾ أي: يعذب عذابًا أليمًا، من غير راحة ولا استراحة، حتى إنهم يتمنون الموت فلا يحصل لهم، كما قال تعالى: ﴿لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾.
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾ أي: قد فاز وربح من طهر نفسه ونقاها من الشرك والظلم ومساوئ الأخلاق، ﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ أي: اتصف بذكر الله، وانصبغ به قلبه، فأوجب له ذلك العمل بما يرضي الله، خصوصًا الصلاة، التي هي ميزان الإيمان، فهذا معنى الآية الكريمة، وأما من فسر قوله ﴿تزكى﴾ بمعني أخرج زكاة الفطر، وذكر اسم ربه فصلى، أنه صلاة العيد، فإنه وإن كان داخلا في اللفظ وبعض جزئياته، فليس هو المعنى وحده.

(١) في ب: بمعناها العظيم الجليل.
(٢) في ب: أصناف.
(٣) في ب: وجميع الحيوانات.
(٤) في ب: ومادتها.
(٥) كذا في ب، وفي أ: يحكم بما أراد، ويحكم بما يريد.
(٦) في ب: أخرى.
(٧) كذا في ب، وفي أ: يسيرًا.
(٨) في ب: والعلم بمجازاته على الأعمال.
(٩) في ب: الانكفاف عما يكرهه الله.


الصفحة التالية
Icon