والإشارة بقوله : ١٣٤ - ﴿ تلك ﴾ إلى إبراهيم وبنيه ويعقوب وبينه و ﴿ أمة ﴾ بدل منه وخبره ﴿ قد خلت ﴾ أو أمة خبره وقد خلت نعت لأمة وقوله :﴿ لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ﴾ بيان لحال تلك الأمة وحال المخاطبين بأن لكل من الفريقين كسبه لا ينفعه كسب غيره ولا يناله منه شيء ولا يضره ذنب غيره وفيه الرد على من يتكل على عمل سلفه ويروح نفسه بالأماني الباطلة ومنه ما ورد في الحديث :[ من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ] والمراد : أنكم لا تنتفعون بحسناتهم ولا تؤاخدون بسيئاتهم ولا تسألون عن أعمالهم كما لا يسألون عن أعمالكم ومثله ﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ ﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ﴾
ولما ادعت اليهود والنصارى أن الهداية بيدها والخير مقصور عليها رد الله ذلك عليهم بقوله : ١٣٥ - ﴿ بل ملة إبراهيم ﴾ أي قل يا محمد هذه المقالة ونصب ملة بفعل مقدر : أي نتبع وقيل التقدير : نكون ملة إبراهيم : أي أهل ملته وقيل : بل نهتدي بملة إبراهيم فلما حذف حرف الجر صار منصوبا وقرأ الأعرج وابن أبي عبلة ملة بالرفع : أي بل الهدي ملة إبراهيم والحنيف : المائل عن الأديان الباطلة إلى دين الحق وهو في أصل اللغة : الذي تميل قدماه كل واحدة إلى أختها قال الزجاج وهو منصوب على الحال : أي نتبع ملة إبراهيم حال كونه حنيفا وقال علي بن سليمان : هو منصوب بتقدير أعني والحال خطأ كما لا يجوز جاءني غلام هند مسرعة وقال في الكشاف : هو حال من المضاف إليه كقولك : رأيت وجه هند قائمة وقال قوم : الحنف الاستقامة فسمي دين إبراهيم حنيفا لاستقامته وسمي معوج الرجلين أحنف تفاؤلا بالاستقامة كما قيل للديغ سليم وللمهلكة مفازة وقد استدل من قال بأن الحنيف في اللغة المائل لا المستقيم بقول الشاعر :

( إذا حول الظل العشي رأيته حنيفا وفي قرن الضحى يتنصر )
أي أن الحرباء تستقبل القبلة بالعشي وتستقبل المشرق بالغداة وهي قبلة النصارى ومنه قول الشاعر :
( والله لولا حنف في رجله ما كان في رجالكم من مثله )
وقوله :﴿ وما كان من المشركين ﴾ فيه تعريض باليهود لقولهم :﴿ عزير ابن الله ﴾ وبالنصارى لقولهم :﴿ المسيح ابن الله ﴾ أي أن إبراهيم ما كان على هذه الحالة التي أنتم عليها من الشرك بالله فكيف تدعون عليه أنه كان على اليهودية أو النصرانية


الصفحة التالية
Icon