وقوله : ١٤٦ - ﴿ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه ﴾ قيل : الضمير لمحمد صلى الله عليه و سلم : أي يعرفون نبوته روي ذلك عن مجاهد وقتادة وطائفة من أهل العلم وقيل : يعرفون تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة بالطريق التي قدمنا ذكرها وبه قال جماعة من المفسرين ورجح صاحب الكشاف الأول وعندي أن الراجح الآخر كما يدل عليه السياق الذي سيقت له هذه الآيات وقوله :﴿ ليكتمون الحق ﴾ هو عند أهل القول الأول نبوة محمد صلى الله عليه و سلم وعند أهل القول الثاني استقبال الكعبة
وقوله : ١٤٧ - ﴿ الحق من ربك ﴾ يحتمل أن يكون المراد به الحق الأول ويحتمل أن يراد به جنس الحق على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ وخبره قوله : من ربك أي الحق هو الذي من ربك لا من غيره وقرأ علي بن أبي طالب ﴿ الحق ﴾ بالنصب على أنه بدل من الأول أو منصوب على الإغراء أي الزم الحق وقوله :﴿ فلا تكونن من الممترين ﴾ خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم والامتراء : الشك نهاه الله سبحانه عن الشك في كونه الحق من ربه أو في كون كتمانهم الحق مع علمهم وعلى الأول هو تعريض للأمة : أي لا يكن أحد من أمته من الممترين لأنه صلى الله عليه و سلم لا يشك في كون ذلك هو الحق من الله سبحانه
وقد أخرج ابن ماجه عن البراء قال : صلينا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم نحو بيت المقدس ثمانية عشر شهرا وصرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخوله إلى المدينة بشهرين وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى إلى بيت المقدس أكثر تقليب وجهه في السماء وعلم الله من قلب نبيه أنه يهوى الكعبة فصعد جبريل فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يتبعه بصره وهو يصعد بين السماء والأرض ينظر ما يأتيه به فأنزل الله ﴿ قد نرى تقلب وجهك في السماء ﴾ الآية فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا جبريل كيف حالنا في صلاتنا إلى بيت المقدس ؟ فأنزل الله ﴿ وما كان الله ليضيع إيمانكم ﴾ وأخرجه الطبراني من حديث معاذ مختصرا لكنه قال : سبعة عشر شهرا وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو في قوله تعالى :﴿ فلنولينك قبلة ترضاها ﴾ قال : قبلة إبراهيم نحو الميزاب وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم عن البراء في قوله :﴿ فول وجهك شطر المسجد الحرام ﴾ قال : قبله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن علي مثله وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال :﴿ شطره ﴾ نحوه وأخرج البيهقي عن مجاهد مثله وأخرج ابن شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية قال :﴿ شطر المسجد الحرام ﴾ تلقاءه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : البيت كله قبلة وقبلة البيت الباب وأخرج البيهقي في سننه عنه مرفوعا قال :[ البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها من أمتي ] وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله :﴿ وإن الذين أوتوا الكتاب ﴾ قال : أنزل ذلك في اليهود وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ ليعلمون أنه الحق ﴾ قال : يعني بذلك القبلة وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير عن أبي العالية نحوه وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله :﴿ وما بعضهم بتابع قبلة بعض ﴾ يقول : ما اليهود بتابعي قبلة النصارى ولا النصارى بتابعي قبلة اليهود وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ الذين آتيناهم الكتاب ﴾ قال : اليهود والنصارى ﴿ يعرفونه ﴾ قال : يعرفون رسول الله في كتابهم ﴿ كما يعرفون أبناءهم ﴾ وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عنه في قوله :﴿ يعرفونه ﴾ أي يعرفون أن البيت الحرام هو القبلة وأخرج ابن جرير عن الربيع مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله :﴿ وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ﴾ قال : يكتمون محمدا وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير عن أبي العالية قال : قال الله لنبيه صلى الله عليه و سلم :﴿ الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ﴾ يقول : لا تكونن في شك يا محمد أن الكعبة هي قبلتك وكانت قبلة الأنبياء من قبلك